ودائع الخليجيين في أوروبا ليست في مأمن

30/03/2013 7
عبد الله صادق دحلان

أموال الخليجيين المودعة في أوروبا ليست في مأمن من احتمال فرض ضرائب عليها، فالاتحاد الأوروبي لمنطقة اليورو لن يستثني مودعي الخليج من بقية المودعين حتى لو كانت هناك اتفاقية تبادل ضريبي.

حالة قلق تنتاب مودعي أموالهم في البنوك الأوروبية وبالخصوص في دول اليورو بعد أن وصلهم تحذير من اقتصاديين ومحللين ماليين وبعض المراقبين الاقتصاديين للاقتصاد الأوروبي بأن خسارة المودعين قد تصل إلى 40% من أموالهم بعد صفقة إنقاذ قبرص. وهي سابقة خطيرة من وجهة نظري، وهي كما يقال بالعامية "ليس بعد الدواء إلا الكي". ولكن هذه المرة سيكون الألم كبيرا على المودعين بصفة عامة، بصرف النظر عن جنسيتهم، لأن الودائع بالأرقام وليس بالجنسيات.

والخوف والقلق الحقيقي هو لو طُبق هذا الحل وهو فرض ضريبة على المودعين في البنوك الأوروبية، وعلى وجه الخصوص الدول التي تعاني من أزمات مالية واقتصادية، ولم تستطع دول اتحاد اليورو مساعدتها لتجاوز محنتها الاقتصادية، وأقصد على وجه التحديد البرتغال وإسبانيا واليونان وإيطاليا، ولن أستبعد فرنسا وبريطانيا، حيث ارتباطهما الوثيق اقتصادياً بالدول التي تعاني أزمات اقتصادية، والدليل على ذلك أزمة الولايات المتحدة المالية وهي في قارة بعيدة لكنها ألقت بظلالها السلبي على بعض الدول الأوروبية مثل بريطانيا وفرنسا. 

ومما يثير تخوفي كمتابع اقتصادي للوضع في اقتصاديات دول اليورو تلك التحذيرات التي وجهت لدافعي الضرائب الأوروبية وأصحاب الحسابات في دول اليورو من احتمال استهدافهم بقرارات أوروبية مشابهة لتلك التي فرضت لمساعدة قبرص. بناء على تصريحات رئيس مجموعة اليورو التي أعلن فيها الأسبوع الماضي بعد اجتماع عاصف دام عشر ساعات بأن دول اليورو وصندوق النقد الدولي وقبرص اتفقوا على إنقاذ النظام المصرفي في قبرص من الانهيار. 

وكما أسلفت فإن المودعين في بعض الدول الأوروبية خارج منطقة اليورو أيضاً لن يكون أصحاب الودائع الكبيرة منهم في مأمن، وعلى وجه الخصوص بريطانيا، حيث نشرت جريدة التايمز في 27 فبراير الماضي تقريراً قالت فيه إن لدى بنك إنجلترا المركزي خطة لفرض فوائد سلبية على الودائع في البنوك، أي أن صاحب الوديعة الذي كان في الماضي يبحث عن أفضل بنك يعطيه عائدا سنويا أو شهريا على ودائعه أصبح اليوم احتمال أن يدفع هو للبنك مقابل أن يحفظ البنك أمواله دون زيادة، حيث وصلت الفوائد على الودائع في بعض الدول الأوروبية إلى أقل من ربع في المئة.

وقد يسأل بعض القراء ولماذا تلجأ بعض البنوك المركزية لهذا الإجراء؟ والجواب هو الرغبة في تحفيز الاقتصاد ودفع المودعين إلى توجيه ودائعهم إلى مشاريع تنموية وتجارية وصناعية وعقارية وخدمية تسهم في زيادة نسب تشغيل العمالة وتخفف من نسب البطالة المرتفعة، التي يقال إنها ستصل إلى 30% في بعض الدول الأوروبية التي تعاني من أزمة مالية.

ولهذا فهي سياسات يتبعها اتحاد دول اليورو لدفع المودعين لتسييل ودائعهم في مشاريع داعمة للاقتصاد. وهذه سياسات تتبعها معظم البنوك المركزية بالتعاون مع الوزارات المعنية بالاقتصاد إذا كان الاتجاه تحريك السوق من قبل المودعين عن طريق تخفيض نسب العمولات وتحويل المخاطرة في الاستثمار من البنوك المشغلة للودائع إلى المودعين أنفسهم. 

وما يدفعني اليوم لطرح هذا الموضوع هو رغبتي في إرسال تحذير إلى رجال الأعمال وجميع المودعين الخليجيين والسعوديين بصفة خاصة الذين يودعون آلاف الملايين دولارات ويورو وجنيهات إسترلينية قائلاً لهم إن أموالكم ليست في مأمن من احتمال فرض ضرائب عليها مثل حالة ضرائب قبرص، وإن الاتحاد الأوروبي لمنطقة اليورو لن يستثني مودعي الخليج عن بقية المودعين حتى لو كانت هناك اتفاقية تبادل ضريبي، وكما يقال "الضرورة لها أحكام" وقوانين الطوارئ تلغي جميع الأحكام السابقة.

ولن أكتفي بالتحذير هذا اليوم وإنما أرى أنه من الواجب علينا كاقتصاديين أن نقدم النصيحة، ونصيحتي الاقتصادية هي على المودعين الخليجيين والسعوديين بصفة خاصة إعادة النظر في جغرافية ودائعهم والبحث عن المواقع الآمنة، ومن وجهة نظري الشخصية فإن المملكة قد تكون أفضل مكان آمن للودائع وأفضل دولة ما زالت عوائد الاستثمار فيها في بعض المجالات تصل إلى 10% و15%، مثل عوائد الاستثمارات المتعلقة بالتطوير العقاري وبعض المشاريع الخدمية والمشاريع التعليمية والمشاريع الصحية.

لا سيما أن المشاريع الإسكانية تتجه إلى أعلى قائمة الاستثمارات ذات العوائد المرتفعة، ولا أقصد إعادة الودائع للاستثمار المباشر وإنما تشغيلها في بعض الصناديق والشركات المالية المتخصصة والمرخصة لتمويل مطوري المشاريع الإسكانية التي تتطلب البلايين لاستكمال حاجة السوق وهي حاجة مستمرة.

وأعلم أن البعض يخشى على سرية حساباته في بنوك الخليج، وأنا أتفهم تخوفهم، حيث لا توجد سرية وبإمكان أصغر موظف على الشاشة في أي بنك أن يتعرف على أية أرصدة بل بالإمكان نشر المعلومة.

ومن المقترحات الأخرى البحث عن بدائل أخرى ولو مؤقتة في الصين واليابان وسنغافوره وماليزيا والهند وبالإمكان توزيع البيض في سلات متعددة. وإن كنت متحيزاً لعودة الودائع لأسواق المملكة، فالبنوك السعودية ما زالت هي الأضمن والاقتصاد السعودي ما زال هو الأكثر تماسكاً، حيث إن عصب الاقتصاد البترول، فما زال هو العملة المطلوبة وما زالت البنوك السعودية مدعومة من مؤسسة النقد، وما زالت مشاريع التنمية قائمة، وإذا جاز لي الاقتراح فإنني أقترح التوسع المدروس في إنشاء صناديق استثمارية متخصصة للمشاريع التنموية ومنها مشاريع الطاقة والسكك الحديدية.

وأخيراً أوجه رسالتي لأولئك المسؤولين الذين يقللون من حجم المشكلة ولا أعلم هل بإمكانهم أن يقدموا ضماناً شاملاً للمودعين في الدول الأوروبية، أو الأفضل أن توضح الحقيقة؟ ثم الأمر يعود للمودعين، واللهم قد بلغنا.