تخصص الحكومة بموازنتها العامة أموالاً كبيرة للوزارات والجهات الحكومية لتلبية متطلباتها التي من خلالها تنفِّذ مشاريعها وبرامجها. والحديث هو عن الجهات الخدمية والاقتصادية بصفة خاصة، إلا أن تداخل الاختصاصات يشكِّل ضغطا كبيراً على تلك الجهات.
وفي القطاع التعليمي والتدريبي تبرز هذه التداخلات كثيراً، فإذا استثنينا وزارة التربية والتعليم بعد أن أصبحت القطاعات التعليمية التي كانت تتبع جهات رسمية أخرى كلها تابعة لوزارة التربية إلا أن التعليم والتدريب ما بعد الثانوي ما زال موزعاً بين جهات عدة كوزارة التعليم العالي التي تتبع لها الجامعات، فيما تتبع الكليات والمعاهد الفنية والمهنية لوزارة العمل، بخلاف كليات ومعاهد تتبع جهات أخرى، وإن كان عددها محدوداً. وبهذه الوضعية تصبح برامج التعليم والتدريب غير متجانسة، وتختلف مستوياتها وحجم الإنفاق عليها، ومن الأفضل للعملية التعليمية والتدريبية أن يكون كل التعليم والتدريب ما فوق الثانوي يتبع وزارة التعليم العالي؛ فهذا سيصحح الكثير في مسارات التعليم والقبول للطلاب والطالبات بعد الحصول على الثانوية، بما يتفق مع احتياجات التنمية وسوق العمل.
إلا أنه بعد كل هذا المجهود الكبير من التعليم والتدريب يتضح أن الحاجة لمستوى مهنية معينة بسوق العمل اضطرت صندوق الموارد البشرية لتبني التدريب من جديد. ومن الضروري هنا أن نصل لصيغة محددة بمفهوم المؤهل لسوق العمل؛ فاعتراضات القطاع الخاص قد لا تكون كلها صحيحة أو دقيقة، وأخذها بعين الاعتبار يُعد عرقلة إضافية أمام التوطين المنشود، وفي الوقت نفسه فإن التنسيق بين وزارتي التعليم العالي والعمل على تبني برامج التدريب بإطارها المناسب لسوق العمل سيلغي الكثير من الجهد والوقت والمال الذي ينفق على التدريب بعد التخرج؛ إذ سيكون الطالب قد حصل على تدريبه المناسب، ويتفرغ صندوق الموارد البشرية لقضايا البطالة بما هو تحت مسؤوليته في إطار أكثر دقة ومنفعة، ويستفيد طالب العمل أكثر، وكذلك الجهة التي توظفه.
ومسألة تداخل الاختصاصات تندرج على الكثير من الجهات، فإشراف مؤسسة النقد على القطاع المالي أمرٌ مفروغ منه كضرورة وبديهي، لكن قضية الموافقة على بعض الأمور التي تعد من مسؤوليات هيئة السوق المالية،كزيادة أو خفض رأس المال لشركات القطاع المالي، يفترض أن تكون من مسؤولية الهيئة كحال باقي الشركات في القطاعات الأخرى، فإذا كانت أسس الموافقة على التغيرات برأس المال واضحة فلماذا تتعدد الموافقات؟ فهذا الأمر سيشتت المسؤولية بين الجهات المعنية، والأمر نفسه ينطبق على القطاع المالي عند طلب أي شركة عاملة به الإدراج في السوق المالية؛ إذ يفترض أن تكون الموافقة من اختصاص الهيئة حصرياً.
التداخلات في الاختصاصات بين العديد من الجهات الحكومية حالة قديمة، وقد بُذلت جهود كبيرة لفلترتها منذ سنوات، إلا أن الباقي منها ذو تأثير واضح وملموس بتأثيراته ومفرزاته، ونأمل أن يفتح ملفها من جديد لدراسة واقعها ووضع الحلول العملية لتقليل الآثار السلبية التي تتسبب بها من هدر للمال والوقت، فالتنمية أهم ركائز نجاحها هو إنجازها في وقتها المطلوب، وبالتكاليف المناسبة.