هل أطباؤنا معصومون من الأخطاء الطبية؟

26/02/2013 1
د. فواز العلمي

الأخطاء الطبية تعد من أهم المشاكل العالمية التي تعاني منها جميع الدول، بما فيها الدول المتقدمة.

في كل 93 ثانية يموت إنسان بسبب الأخطاء الطبية على مستوى العالم. وفقًا لتقديرات منظمة الصحة العالمية،يتوفر في قريتنا الكونية حالياً 10 ملايين طبيب بشري و2 مليون طبيب أسنان و20 مليون ممرض و3 ملايين صيدلي، مما يجعل قطاع الخدمات الصحية واحداً من أكبر الأنشطة الخدمية من حيث عدد العاملين. ومع ذلك ارتفعت حالات الوفاة في العالم خلال العام الماضي إلى 7 ملايـين شخص نتيجة الأخطاء الطبية، وزادت حصيلة قضاياها القانونية على 29 مليار دولار أميركي.

وطبقاً للإحصائيات الدولية الصادرة في العام الماضي، ارتفعت نسبة تكاليف الرعاية الصحية من إجمالي الناتج المحلي إلى 16% في أميركا و9% في دول الاتحاد الأوروبي و11% في سويسرا و12% في اليابان وأستراليا وكندا، ومع ذلك ازدادت حالات عدد الأخطاء المهنية بسبب تلوث الدم بفيروس الإيدز في هذه الدول بنسبة 10% عما كانت عليه قبل 5 أعوام.

تقارير منظمة الصحة العالمية التي تتزامن مع الإحصائيات الدولية الرسمية، توضح أن هنالك 234 مليون عملية جراحية دقيقة تجري سنوياً على الصعيد العالمي، أي ما يعادل نحو عملية جراحية واحدة لكل 28 نسمة حول العالم، منها 63 مليون عملية جراحية لعلاج إصابات الحوادث و10 ملايين عملية لعلاج مضاعفات الحمل والولادة و31 مليون عملية لعلاج مختلف أمراض السرطان.

وذكرت الإحصائيات أن الأخطاء الطبية الناتجة عن العمليات الجراحية لا تزيد في المتوسط على 10% في أميركا وكندا وأوروبا و13% في الدول المتقدمة الأخرى، بينما تفوق 22% في الدول النامية و35% في الدول الفقيرة الأقل نمواً، وتصل إلى 17% في الدول الخليجية لتبلغ 27% أثناء الولادة و13% في الجراحات الباطنية و10% في جراحات الأطفال. في العام الماضي، بلغ عدد القضايا المعروضة على الهيئات الطبية بالمملكة 1356 قضية، منها 287 قضية بمحافظة جدة و280 في الرياض و46 في الأحساء، بينما أصدرت الهيئات المختصة 650 قراراً لحالات وفيات بنسبة 40% من إجمالي القضايا المعروضة.

الأخطاء الطبية تعد من أهم المشاكل العالمية التي تعاني منها جميع الدول، بما فيها الدول المتقدمة في أنظمتها الصحية المتطورة، التي تعرَّض فيها 5 ملايين نسمة للوفاة جراء انخفاض مستوى رعايتها الصحية. في أميركا وصل عدد ضحايا الأخطاء الطبية إلى 3 أضعاف عدد ضحايا حوادث الطرق و5 أضعاف المتوفين بسبب مرض السرطان و35 ضعف عدد ضحايا تلوث الدم بفيروس الإيدز.

وفي أستراليا تسببت الأخطاء الطبية بحوالي 20% من إجمالي عدد الوفيات، وفي بريطانيا ارتفع عد ضحايا الأخطاء الطبية إلى 5 أضعاف ما كانت عليه قبل 10 سنوات ليفوق عدد الوفيات بسببها 40 ألف شخص في العام الماضي، فاحتلت هذه الأخطاء المرتبة الثالثة من بين إجمالي الوفيات بعد مرض السرطان وأمراض القلب.

الأخطاء الطبية نوعان: خطأ مهني يتعلق بأصول وسلوك ممارسة الطبيب لمهنته، كخروجه عن القواعد الطبية المتعارف عليها نظرياً وعلمياً في الأوساط الطبية، مثل الانفراد بالتشخيص الطبي وسوء التشخيص ومد فترة العملية الجراحية والإهمال وعدم ملاحظة ما يستحق الدقة، وخطأ غير مهني لا علاقة له بالأصول الفنية والمهنية، كالخطأ الناتج عن ممارسة الطبيب لسلوك مماثل للآخرين بعيداً عن الممارسات المهنية.

علماً بأن الضرر الناتج عن الخطأ الطبي يعتبر ركناً أساسياً من أركان المسؤولية الطبية، إلا أنه ليس كافياً لإقامة الدليل على الطبيب، بل يجب أن يكون نتيجة طبيعية للفعل الخطأ وله علاقة سببية بين الخطأ والمريض وأن يمس حقاً مشروعاً بنظر النظام، مثل حق الحياة وسلامة الجسم والعقل. كما ينقسم الضرر الطبي لثلاثة أقسام: الضرر الجسدي الذي يصيب الإنسان في جسمه، والضرر المالي الذي يصيب المريض وأقربائه بالخسارة المادية كمصاريف العلاج والعمليات والأدوية والإقامة في المستشفى ونفقات إصلاح الخطأ، والضرر المعنوي الذي يصيب المريض وأقرباءه بالألم المعنوي والنفسي.

نظام مزاولة المهن الصحية بالمملكة، الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/59) وتاريخ 4/11/1426هـ، يشمل 44 مادة جاءت في خمسة فصول. المادة 26 من الفصل الثالث تنص على أن: "التزام الممارس الصحي الخاضع لهذا النظام هو التزام ببذل عناية يقظة تتفق مع الأصول العلمية المتعارف عليها".

وجاءت المادة 27 من النظام لتؤكد أيضاً أن: "كل خطأ مهني صحي صدر من الممارس الصحي وترتب عليه ضرر للمريض يلتزم من ارتكبه بالتعويض، وتحدد الهيئة الصحية الشرعية المنصوص عليها في هذا النظام مقدار هذا التعويض.

ويعد من قبيل الخطأ المهني الصحي ما يأتي: 1) الخطأ في العلاج أو نقص المتابعة، 2) الجهل بأمور فنية يفترض فيمن كان في مثل تخصصه الإلمام بها، 3) إجراء العمليات الجراحية التجريبية وغير المسبوقة على الإنسان بالمخالفة للقواعد المنظمة لذلك، 4) إجراء التجارب أو البحوث العلمية غير المعتمدة على المريض، 5) إعطاء دواء للمريض على سبيل الاختبار، 6) استخدام آلات أو أجهزة طبية دون علم كافٍ بطريقة استعمالها أو دون اتخاذ الاحتياطات الكفيلة بمنع حدوث ضرر من جراء هذا الاستعمال، 7) التقصير في الرقابة والإشراف، 8) عدم استشارة من تستدعي حالة المريض الاستعانة به. ويقع باطلاً كل شرط يتضمن تحديد أو إعفاء الممارس الصحي من المسؤولية."

أطباؤنا ليسوا معصومين من الأخطاء الطبية، وليسوا معصومين أيضاً من عقاب النظام.