أي حظ سيئ يلاحق قطاع الطيران في الخليج؟!

26/02/2013 1
بندر الضبعان

أخبار صاعقة تتوالى وتهز قطاع الطيران في الخليج العربي هذه الفترة، الأول: قرار رئيس شركة طيران البحرين إيقاف جميع عملياتها وتصفية الشركة، والثاني: اعتزام شركة طيران الخليج تسريح 1266 موظفا، والثالث:مناشدة الخطوط الجوية السعودية الحكومة التدخل لدعم أسطولها بمبلغ 18 مليار ريال.

فبعد خدمة امتدت خمسة أعوام، قررت إدارة شركة طيران البحرين إيقاف جميع رحلاتها، وتصفية الشركة كردة فعل للضغوط التي تمارسها وزارة المواصلات ضد الشركة، ومنها تجديد شهادة المشغل الجوي الخاصة بالشركة لشهرين بدلاً من عام كامل، في حين أن الوزارة تقول إن الشركة ''طيران البحرين'' لم تسدد الرسوم المتأخرة لشؤون الطيران المدني (التابعة للوزارة) والجهات الحكومية الأخرى مقابل الخدمات المقدمة لها.

وتعتزم شركة طيران الخليج المملوكة للحكومة البحرينية تسريح 1266 موظفا، ما يشكل أكثر من ثلث موظفيها البالغ تعدادهم 3600، في عملية وصفتها بعض المصادر بأنها أكبر عملية تسريح جماعي لشركة خليجية بعد الأزمة المالية العالمية، إذ تواجه الشركة أزمات مالية وتراكما للديون أوصلها إلى حافة الإفلاس، ما دفع الحكومة البحرينية إلى وقوفها في جانب الشركة حماية لها من تبعات الإفلاس.

أما ''الخطوط الجوية السعودية''، فهي تناشد الحكومة التدخل لدعم أسطولها بمبلغ 18 مليار ريال، منها 12 مليار ريال لشراء 35 طائرة، والباقي سيذهب لتسديد أقساط إيجار وشراء طائرات ضمتها ''الخطوط'' إلى أسطولها أخيرا، ويحق لنا أن نتساءل عن عدم قدرة ''السعودية'' على النمو رغم كل الموارد المادية والمالية الضخمة المتاحة أمامها، ومنها 15 ألف موظف، و128 طائرة ركاب، و24 مليار ريال في ميزانية 2013 مع دعم حكومي لا محدود في الوقود.

يطالعنا الإعلام بهذه الأخبار المزعجة، ونتساءل أي ''لعنة'' تطارد شركات الطيران الخليجية والقطاع الذي تعمل فيه؟ فقبل ذلك شهدنا توقف طيران ''سما'' عام 2010، ثم توقف كل من طيران ''الوفير'' السعودي و''الخطوط الوطنية'' الكويتية عام 2011، إضافة إلى توقف العديد من شركات الطيران الخاص في منطقة الخليج.

لست خبيرا في مجال الطيران، لكن من خلال متابعتي في هذا القطاع أرى أن معظم مشكلات خطوط الطيران الخليجية أنها تعاني أحد أمرين- أو كليهما - سوء إدارة داخل الشركات المتعثرة، أو عرقلة من الجهات الحكومية،وهذان يؤديان إلى اختناق الشركة وتوقفها عن العمل.

فأما سوء الإدارة، فيبدو أن بعض الشركات ورثت الفكر الإداري والتشغيلي لشركة TWA الأمريكية، هذه الشركة التي كانت يوما ما تدير ''الخطوط السعودية''، وتملك رغم ضخامتها سجلا سيئا في الإدارة والتشغيل، حيث أفلست الشركة مرتين (1992 و1995)، وتعرضت إلى 84 حادثة من حوادث الأمن والسلامة، واضطرت بعد 76 عاما من الخدمة إلى الموافقة على صفقة اندماجها مع شركة ''أميركان أيرلاينز'' عام 2001.

''عقلية تي دبليو إي'' جعلت بعض شركات الطيران الخليجية تعزف عن الاستثمار في المواهب الوطنية، وظلت تستورد خبرات أجنبية، وتثق بها ثقة عمياء متيحة لها الفرصة على طبق من ذهب في أن تخطئ وتجرب في طائراتنا ومطاراتنا وأجوائنا، وبعد أن تكتسب هذه الخبرات الأجنبية الأموال، وتسدد كل ديونها والتزاماتها في بلدانها، تترك هذه الشركات إلى شركات خارج المنطقة دون أن تكون قد أضافت أي قيمة إلى الشركة الخليجية (الضحية).

بل إن بعض الخبرات الأجنبية تورطت في حالات فساد أخلاقي أو مالي، فبعضهم يرى أن الشركة الخليجية هي ''كعكة'' لا بد من التحايل على كيفية ''هبش'' أكبر قطعة ممكنة، مثلما كان الحال، في إحدى شركات الطيران الخليجية التي توقفت عن الخدمة، كانت أزياء الطيارين والمضيفين لا تكلف سوى 500 ريال تقريبا للطقم الواحد،وكانت تباع للشركة بمبلغ أربعة آلاف ريال!

أما تعنت الجهات الحكومية المعنية في الخليج، فتأتي على رأسها هيئات الطيران المدني في المنطقة، فهي بدلا من أن تركز جهودها في الجوانب ''التشغيلية''، خاصة تلك المتعلقة بمدى الالتزام بمعايير الأمن والجودة والسلامة، تتدخل بعقليتها الحكومية (البيروقراطية) في الجوانب ''التجارية'' كتحديد أسعار التذاكر دون مراعاة جوانب التسويق والمبيعات أو النفقات التشغيلية التي تتكبدها شركات الطيران الخليجية، خاصة إلى محطات داخلية مكرهة على السفر منها وإليها.

كما أن بعض هيئات الطيران المدني الخليجية يديرها ويهيمن عليها مسؤولون سابقون عملوا في شركات طيران معينة، ما يعني أن ''الولاء'' سيكرس لخدمة مصالح ''الحبيب الأول''، وبالتالي سيقفون مع القرارات التي لا تضر ''الناقل'' المفضل لهم، وهذا يلاحظ عندما تتعمد بعض هيئات الطيران المدني الخليجية ''تعطيل'' معاملات الشركات المنافسة للشركة ''المحبوبة''، وتتعمد تأخير إصدار أو تجديد رخص الطيارين والملاحين.

لذا، أدعو مجلس التعاون لدول الخليج العربية- الذي احتفل بعامه الثالث والثلاثين- أن يطرح مبادرات اقتصادية حقيقية تسهم في نمو ودعم شركات الطيران الخليجية، وتذلل عنها عقبات البيروقراطية العقيمة، وتحافظ على الموارد البشرية الخليجية من طيارين وملاحين ومهندسين وكفاءات أخرى في مجال الإدارة والتشغيل.

كما أنادي بـ''تحرير'' حقيقي لقطاع الطيران في الخليج، فالمستثمرون في هذا الزمن لم يريدوا من يفرض عليهم الوصاية، بل يريدون مساعدتهم على سلوك الدرب الصائب، فالتحرير الحقيقي سينقلنا من مرحلة ''الحبر على الورق'' إلى ''الإجراءات'' على أرض الواقع.

كما أننا نقترح إنشاء هيئات مستقلة عن هيئات الطيران المدني تتولى الترخيص للطيارين والمضيفين والمهندسين، مع الحرص على تعيين الكفاءات الخليجية في هذه الهيئات، والحرص على ''حيادية'' متخذي القرار دون أن يكون لديهم تفضيل لشركة طيران على حساب شركة أخرى.

وقبل أن تتوقف الطائرات عن التحليق في أجوائنا، هل من الصعب أن يتبنى الخليجيون هذه المبادرات؟ أم نكتفي بـ''تبخير'' أجواء الخليج العربي لطرد لعنة ''تي دبليو إي''؟