الإداريون والماليون .. علاقة تكامل لا صراع

19/02/2013 0
بندر الضبعان

ما الذي يدعو شركات مثل أمريكان إكسبريس وكوكا كولا إلى أن تلزم جميع موظفيها العاملين في إدارة ''الموارد البشرية'' بحضور برنامج تدريبي مكثف حول أساسيات المالية؟

الحقيقة أن الداعي إلى هذا التوجه أن أروقة الكثير من الشركات حول العالم تشهد -مع الأسف- صراعات إدارية ''طاحنة'' تدور رحاها بين مسؤولي ''إدارة الموارد البشرية'' ومسؤولي ''إدارة الشؤون المالية''، حيث تتنافس كل إدارة على السلطة، وعرقلة الإدارة الأخرى، ونيل رضا الإدارة العليا في الشركة.

وربما تظن بعض الشركات أنها وحدها التي تشهد صراعا بين ''سدنة البشر'' و''سدنة الأرقام''، لكن واقع القطاع الخاص يؤكد أن الصراع بين ''الموارد البشرية'' و''الشؤون المالية'' من الصراعات الإدارية التقليدية الذي لا تكاد تخلو منه شركة على وجه الأرض، مثله مثل الصراع الذي يدور بين ''إدارة تقنية المعلومات'' و''إدارة المشتريات''،أو بين ''إدارة الشؤون القانونية'' و''إدارة العقود والمناقصات''، وغيرها.

لماذا لا يستطيع الإداريون والماليون أن يتعايشوا بصورة سلمية؟ هل هناك علاقة بين استخدام كل منهما لفص مختلف (أيمن وأيسر) من الدماغ وبين هذا التنافر الحاصل بينهما؟ هل كل منهما ينتمي فعلا إلى كوكب آخر؟ كما وصف أحد الخبراء الأمريكيين أن ''الشؤون المالية من المريخ، والموارد البشرية من الزهرة'' قياسا على كلام الطبيب النفسي الأمريكي جون جراي في كتابه ''الرجال من المريخ، والنساء من الزهرة'' (1992)!

قد تكمن أحد أسباب التوتر بين الإدارتين في أن الموارد البشرية تتعامل مع الموظفين وهم أصحاب التكلفة الكبرى ضمن ميزانية الشركة، فيما تتعامل الشؤون المالية مع التكاليف دون النظر إلى ما وراء هذه الأرقام، وقد تكون الأسباب انعدام أشكال التعاون والتواصل بين الإدارتين، أو تداخل الاختصاصات فيما بينها، أو وجود مناطق ''رمادية'' بين حدودها.

لكن من حسن الحظ أننا في القطاع العام لا نلاحظ صراعا عنيفا بين الإداريين والماليين لأسباب عدة، منها أن إدارة الموارد البشرية -أو الشؤون الإدارية كما تسمى في بعض الجهات الحكومية- وإدارة الشؤون المالية ترتبط بمسؤول واحد هو في الغالب ''مدير عام الشؤون الإدارية والمالية''، رغم تحفظي من الناحية التنظيمية على الجمع بين السلطتين الإدارية والمالية، لاحتمالية أن يؤدي هذا إلى نشوء تضارب مصالح، مفضلا بدلا عن ذلك أن يتم الفصل بين السلطات. أما السبب الآخر، فإن الأجهزة الحكومية لا تعمل بهدف الربح، ولا تتعامل بعقلية ''زيادة الأرباح وترشيد التكاليف''، وبالتالي فإن الدافع (أي العقلية المذكورة) الذي يوتر العلاقة ويخلق المنافسة بين الموارد البشرية والشؤون المالية في الشركات غير موجود في القطاع العام.

ولا يخفاكم أن الموارد البشرية والشؤون المالية إدارتان لا تحققان إيرادات أو أرباحا للشركة، إنما تدعمان الإدارات التشغيلية التي تحقق الإيرادات والأرباح، ومن هذا المنطلق يمكن رسم الأسس التي تجعل العلاقة بين سدنة البشر وسدنة الأرقام متكاملة، فالشركات الناجحة تضع مبادرات تنزع من خلالها فتيل الصراعات الإدارية، ومنها الصراعات الحاصلة بين الموارد البشرية والشؤون المالية، حيث يندرج ضمن هذه المبادرات:

- إبقاء مهمة ''إعداد الرواتب'' تحت مظلة الموارد البشرية وليس الشؤون المالية، فالإدارة الأولى أكثر احتكاكا بالموظفين ودراية بشؤونهم ومشكلاتهم.

- التفاهم بين الإدارتين على إجراءات الصرف وتحديد أولويات ومواعيد لصرف المبالغ، ويمكن تحقيق ذلك عن طريق إبرام اتفاقية لتحديد مستوى الخدمة service-level agreement (SLA) بين الإدارتين مع تعهد مسؤوليها بتقديم الدعم المتبادل لتسهيل العمل.

- التأكيد على إدارة الموارد البشرية بمراعاة الجوانب ''المالية'' للشركة، ما يسهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في (1) زيادة أرباح الشركة عن طريق حسن اختيار الأفراد، وتدريبهم لتقديم خدمات الشركة ومنتجاتها، و(2) تخفيض تكاليفها عن طريق مثلا الحصول على الدعم المالي من صندوق تنمية الموارد البشرية لتدريب وتوظيف الشباب السعودي، وتسديد الرسوم الحكومية (كرسوم الإقامات واشتراكات التأمينات الاجتماعية) في وقتها تجنبا لدفع الغرامات.

- التأكيد على إدارة الشؤون المالية بمراعاة الجوانب ''الإدارية'' للشركة، ولا سيما تلك الجوانب التي تمس الموظفين، إذ يجب ألا تركز على الأرقام وتغفل البشر، بل ينبغي أن تنحاز في مواقفها إلى موظفي الشركة قدر الإمكان حتى لو كان على حساب التكلفة، فمثلا لو اشتركت الشؤون المالية في فريق يفاضل بين ''عروض شركات التأمين''، عليها عندئذ أن تنحاز إلى العرض الأفضل للموظفين من حيث التغطية والمنافع، وليس إلى العرض الأقل تكلفة على الشركة.

- التدريب المتبادل لموظفي الإدارتين: تدريب موظفي الموارد البشرية على أساسيات الشؤون المالية وتدريب موظفي الشؤون المالية على أساسيات الموارد البشرية، مثلما فعلت ''أمريكان إكسبريس'' و''كوكا كولا'' بالفئة الأولى، فهذا النوع من التدريب يعرف كل إدارة بالفرص والتحديات التي تواجه الإدارة الأخرى.

هذه مجموعة مبادرات لعلها تخفف حدة التوتر بين إدارتي الموارد البشرية والشؤون المالية، علما بأن هاتين الإدارتين رغم اختلاف رؤيتهما، هما أكثر الإدارات تمتعا بقواسم مشتركة فيما بينهما داخل الشركات، ويفترض أن تسهم هذه القواسم في تسهيل العمل فيما بينهما لا تأزيم العلاقة، فحتى لو اختلفت رؤيتنا في العمل، فهذا لا يبرر تكوين علاقات شائكة تعطلنا عن تحقيق الأهداف الكبرى!