أصدر مصور فوتوغرافي اسمه جيمس موليسون أخيرًا كتابًا وثائقيًا سماه ''أين ينام الأطفال؟''. هدف موليسون من إصدار الكتاب إلى لفت انتباه العالم إلى حالة عدم المساواة التي يعانيها أطفال المجتمعات النامية، مقارنة بأقرانهم في المجتمعات المتقدمة وانعكاسات حالة عدم المساواة هذه على ما ستصل إليه مجتمعاتهم عندما يجتازون هؤلاء الأطفال مرحلة الطفولة إلى مرحلة الشباب. حيث طاف موليسون أرجاء العالم لتصوير بورتريه للطفل، ثم صورة لغرف نومه، ثم جمع كل هذه الصور مع تعليقه عليها وجمعها في الكتاب. مر موليسون في رحلته بأمريكا، المكسيك، البرازيل، إنجلترا، إيطاليا، كينيا، السنغال، فلسطين، ونيبال، والصين ثم الهند.
ولنا أن نتخيل الفارق بين الطفلة كايا التي تعيش في طوكيو داخل غرفة فاخرة تملؤها خزانات الألعاب حتى سقفها، وبين الطفلة ضحى التي تعيش في الخليل داخل غرفة بسيطة وتعلق صورة أخيها الشهيد على الحائط. ولك أن تتخيل المفارقة بين حالات هؤلاء الأطفال عندما يدخلون في مرحلة الشباب ومدى تأثيرهم في رقي مجتمعهم ورفاهيته. فكرة الكتاب جميلة ووثّقت إلى أن أبسط الأشياء في حياتنا يمكن أن تحمل دلالات كبيرة،وأن ما ينعم به الطفل في طفولته يجب أن ينعكس على شبابه ومجتمعه.
تقودنا هذه المفارقة إلى حالة أطفالنا وهم في أغلبهم قد ولجوا عالم التقنية والاتصالات، ومستديمين بالتواصل عبر قنوات افتراضية متعددة وانعكاسات ذلك على مرحلة شبابهم ورفاهية مجتمعنا في الغد، آخذين في الاعتبار الجهود القائمة فيما يندرج تحت ''الاستراتيجية الوطنية للتحول إلى المجتمع المعرفي'' بحلول عام 2030. استراتيجية وطنية طموحة تنص رؤيتها على أن ''تصبح المملكةُ مجتمعًا معرفيًا في ظلِّ اقتصادٍ قائم على المعرفة مزدهرٍ ومتنوعِ المصادرِ والإمكانات، تقودهُ القدرات البشريةُ المنتجةُ والقطاعُ الخاص، ويوفرُ مستوىً معيشيًا مرتفعًا، ونوعيةَ حياةٍ كريمة، وتتبوأ مكانةً مرموقةً، كدولةٍ رائدةٍ إقليميًا ودوليًا، بعون الله تعالى وتوفيقه.
علنا ونحن ننظر إلى جهود كتابة الاستراتيجية واعتماد برامجها أن ننظر في الوقت ذاته إلى الفجوة التي تركتها الاستراتيجية في سبيل استثمار العلاقة القائمة بين أطفالنا والتقنية والاتصالات وبين مستهدفات الاستراتيجية بحلول عام 2023. نظرة تدعونا إلى مدارسة تجربة الاتحاد الأوروبي في هذا الشأن بهدف الاستفادة من إنجازاتها وإخفاقاتها بما يضمن تفادي الإخفاقات عند تنفيذ هذه الاستراتيجية الوطنية الطموحة.
حيث أقرّ رؤساء الاتحاد الأوروبي في قمتهم الاعتيادية في آذار (مارس) 2000 استراتيجية اقتصادية عشرية تهدف إلى جعل الاتحاد الأوروبي بحلول 2010 صاحب أفضل اقتصاد عالمي قائم على المعرفة وقادر على المنافسة الدولية والمحافظة على النمو الاقتصادي. عرفت هذه الاستراتيجية باستراتيجية لشبونة نسبة إلى العاصمة البرتغالية لشبونة، المكان الذي عقدت فيه القمة الأوروبية. كان الدافع الرئيس لإقرار الاستراتيجية مواجهة التحديات الاقتصادية التي واجهها الاتحاد الأوروبي نهاية التسعينيات الميلادية.
عنيت الاستراتيجية بتوحيد سياسات الاتحاد الأوروبي الاقتصادية، والاجتماعية، والبيئية وإنشاء آلية عمل لتبادل التجارب بين أعضاء الاتحاد. واعتمدت الاستراتيجية بشكل كبير على ثلاثة مبادئ اقتصادية، أولها، التركيز على الإبداع كوسيلة للإصلاح الاقتصادي، وثانيها، التعلّم من التجارب السابقة لأعضاء الاتحاد الأوربي، ثالثها، التحديث المستمر في السلوك الاجتماعي والبيئي. وقد أسست الاستراتيجية على فرضية أساسية تتلخص في أنه كلما قوي الاقتصاد زادت فرص العمل، وكلما استمرت زيادة فرص العمل تقدمت عجلة النمو الاقتصادي.
نصت الاستراتيجية على توفير خمسة متطلبات أساسية لتحقيق أهدافها من خلال تحقيق التوازن الاقتصادي،وزيادة معدل التبادل التجاري وحجم السوق الأوروبية المشتركة، ونسبة القوى العاملة، وتقليص الفروق الاجتماعية، ونشر ثقافة المعرفة. وقد نفذت الاستراتيجية على محوري العرض والطلب في آن واحد. فمن جهة العرض، نشرت الاستراتيجية تقنية المعلومات في جميع قطاعات المجتمع الأوروبي، من مراحل تعليم رياض الأطفال، مرورًا بالتعليم العام، ووصولاً لقطاع الأعمال، وانتهاء بالمؤسسات العامة، من خلال تشجيع المؤسسات العامة والخاصة لإعادة هندسة إجراءات أعمالها بما يتناسب مع متطلبات اقتصاد المعرفة.
حيث أسهم هذا التشجيع في إنشاء صداقة اقتصاد المعرفة مع الأطفال، ونمو عمليات التجارة الإلكترونية، وتفعيل الحكومات الإلكترونية.
أما من جهة الطلب، فقد اتجهت الاستراتيجية إلى زيادة وعي المجتمع الأوروبي من خلال تأهيل الكوادر البشرية في سوق العمل لتكون مؤهلة للاستخدام الفعّال لمثل هذه الخدمات الإلكترونية من خلال دعم مخصصات التدريب التقني للكوادر البشرية، والتوسع في التعليم الفني، والاستثمار في البحث العلمي. كما أتبع ذلك بالبدء بمشروع تحويل مدارس التعليم العام إلى ما يعرف بالمدارس الذكية، وإدخال تخصصات الاتصالات وتقنية المعلومات كمجالات أكاديمية جديدة متاحة لطلاب وطالبات التعليم العام بدءًا من المرحلة الدراسية المتوسطة.
أكملت استراتيجية لشبونة مدتها الزمنية بتحقيق معدل إنجاز دون المستهدف، عطفًا على التحديات المالية التي أصابت عددًا من الاقتصادات الأوروبية نهاية العقد الماضي. وعلى الرغم من ذلك، إلا أن الطموح استمر من خلال الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاستراتيجية التي سميت استراتيجية أوروبا 2020 وبأهداف أكثر طموحًا لتحقيقها في 2020 من استراتيجية لشبونة. من أهم هذه الأهداف زيادة معدل القوى العاملة إلى إجمالي السكان من 69 في المائة إلى 75 في المائة، وزيادة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة لتصل إلى 20 في المائة، وتقليص خط الفقر إلى 25 في المائة من خلال استخراج قرابة 20 مليون نسمة في الاتحاد الأوروبي من تحت خط الفقر.
من إحدى أهم الفوائد التي نستخلصها من تجربة الاتحاد الأوروبي في تنفيذ استراتيجية لشبونة وامتدادها إلى استراتيجية أوروبا 2020 أهمية أن تبدأ مثل هذه الاستراتيجية مع الطفل منذ نعومة أظفاره عطفًا على دوره في الغد عندما يتسلم زمام تنفيذ برامج الاستراتيجية المتنوعة. ومثل مراحل التنفيذ هذه لا يمكن أن تكلل بالنجاح دون وجود الطموح والمثابرة والنظرة الشمولية خلال مرحلة التخطيط، ومن ثم تطوير وتوفير الاحتياجات اللازمة خلال مرحلة التنفيذ، مع مراعاة أهمية تقييم الأداء وتقويم الإيجابيات والسلبيات بشكل مستمر لضمان أن الجهود المبذولة لتحقيق هدف الاستراتيجية تسير في الطريق الصحيح.
ابق على اطلاع بآخر المستجدات.. تابعنا على تويتر
تابِع