في عالم الطاقة المستحيل ممكن

06/02/2013 7
د.أنس الحجي

بعدما اكتشف البريطانيون النفط في إيران عام 1911، قالوا إن «من المستحيل» وجود نفط غربي الخليج العربي حيث تقع دول الخليج اليوم. وعندما بدأ الأميركيون يهتمون بالمنطقة ووصلت الأخبار إلى الاستخبارات البريطانية، طلبت الأخيرة رسمياً من البريطانيين التنقيب عن النفط غربي الخليج، وعاد الخبراء البريطانيون ليكرروا أن «من المستحيل» وجود نفط في المنطقة. وبعدها بفترة وجيزة، اكتشف الأميركيون حقل الغوار، أكبر حقل نفطي في العالم.

وبعد اكتشاف النفط في ألاسكا قال كثيرون، بمن فيهم مسؤولون عرب، إن الخبر يهدف إلى الضغط على العرب، لكنه مجرد خبر، فـ «من المستحيل» إيصال هذا النفط إلى الأسواق الأميركية. وجرى بناء خط ألاسكا للأنابيب الذي ينقل مليوني برميل يومياً إلى الأسواق الأميركية. وقال عرب إن «من المستحيل» أن تستطيع بريطانيا أن تنتج النفط من بحر الشمال بكميات كبيرة بسبب عمق المياه والظروف المناخية، وأصبحت منطقة بحر الشمال من أكبر المناطق المنتجة في العالم. وبين ألاسكا وبحر الشمال خسر العرب عقدين من التنمية الاقتصادية في الثمانينات والتسعينات بسبب انهيار أسعار النفط.

وقال عرب إن «من المستحيل» أن يعود إنتاج النفط الروسي إلى ما كان عليه أيام الاتحاد السوفيتي. وها هي روسيا وحدها تنتج أكثر من 10 ملايين برميل يومياً. وإذا كانت هناك أي مفاجأة في زيادة الإنتاج في العامين المقبلين فستكون من روسيا. وقالوا إن «من المستحيل» أن يعود إنتاج الغاز الأميركي إلى ما كان عليه، وإن الولايات المتحدة ستستورد غالبية الغاز الذي تستهلكه، وها هو إنتاج الغاز الأميركي يشهد ثورة، وتنهار أسعاره إلى الحضيض، وقريباً ستكتفي الولايات المتحدة ذاتياً من الغاز.

وعندما أطلقت شركة «شنير» تحويل محطة لاستيراد الغاز المسال إلى محطة لتسييل غاز للتصدير، سخر كثيرون وقالوا إن الأمر «من المستحيل». لكن بناء المحطة يجري على قدم وساق وسيبدأ تصديره قريباً إلى شتى أنحاء المعمورة.

وقالوا إن إنتاج النفط الأميركي في تناقص مستمر، وإن اعتماد الولايات المتحدة على النفط الأجنبي سيزداد باستمرار، وإن «من المستحيل» تغيير هذه الاتجاهات، وها هو إنتاج النفط الأميركي يزداد، بل وتتحسن نوعيته في شكل كبير، وتنخفض واردات النفط الأميركية في شكل كبير، ويتوقَّع لها أن تستمر في الانخفاض. وانخفضت أسعار عدد من الخامات الأميركية في شكل كبير إلى درجة أن بعضها يباع بأقل من نصف السعر العالمي، ما أدى إلى تحقيق قطاع التكرير الأميركي أرباحاً ضخمة في الربع الأخير من العام الماضي. والقطاع هو نفسه، الذي انسحب منه مستثمرون لقناعتهم بأنه لن يحقق أي أرباح، وأنه قطاع خاسر.

وفي سياق الحديث عن ثورة الغاز في الولايات المتحدة، أذكر أنني جلست إلى طاولة عشاء مع بعض كبار المسؤولين في شركة نفط وطنية خليجية قبل أربع سنوات تقريباً، واتفق هؤلاء على أن ما يسمعونه عن «ثورة الغاز» ما هو إلا مؤامرة إعلامية من الاستخبارات ووزارة الخارجية في الولايات المتحدة للضغط على دول الخليج. لكن الأغرب من ذلك أننا، على رغم مرور السنوات وكل الأدلة التي لا يمكن عاقلاً أن ينكرها، ما زلنا نقرأ من وقت إلى آخر في الإعلام الخليجي لكتاب ما زالوا يرون أن الأمر ما هو إلا مؤامرة.

وقال البعض إن «من المستحيل» إنتاج النفط في القطب الشمالي، حتى لو توافرت كميات كبيرة من النفط. وها نحن نرى سباقاً محموماً بين الدول العظمى للسيطرة على القطب والتنقيب فيه. وكانت غالبية الخبراء والمحللين، بمن فيهم كاتب هذه السطور، تقول إن «من المستحيل» أن تصل أسعار النفط إلى 100 دولار للبرميل، وها هي أسعار النفط فوق 100 دولار للسنة الخامسة. وكانت قناعتي تتلخص في أن الولايات المتحدة لن تحتل العراق لأسباب وأسباب، لكنها احتلته لسنوات. وكانت قناعتي وبناء على أدلة كثيرة، تتلخص في أن جنوب السودان لن يستقل، أو أن الخيار سيكون بين النفط والاستقلال، فتحقق استقلال جنوب السودان، والتاريخ سيكون الحكم في القناعة الثانية.

لهذا فإن استغناء الولايات المتحدة عن النفط المستورد ممكن، وحصول الصين على غالبية نفطها من خارج دول الخليج ممكن، وانخفاض الطلب على النفط مع مرور الزمن ممكن، وانهيار أسعاره إلى مستويات متدنية ممكن، وتحول بلد فقير جداً مثل موزمبيق إلى دولة تنافس قطر ممكن، وتحول إسرائيل إلى دولة مصدرة للغاز ممكن، واستيراد مصر للغاز الإسرائيلي ممكن، وتحول تركيا إلى أحد أهم مراكز الطاقة في العالم ممكن، وعكس ذلك كله ممكن. فكل شيء ممكن. وهذه النتيجة ذات حدين: لك وعليك. ويبدو أن «المستحيل» الوحيد عبّر عنه المثل القائل: «استمرار الحال من المحال».