انعكاسات أحداث الجزائر على أسواق النفط

23/01/2013 4
د.أنس الحجي

ثمة حقيقة مفادها أن شركات النفط العالمية نقبت عن النفط واكتشفته وأنتجته في أصعب المناطق أمنياً في العالم، والأدلة على ذلك كثيرة، منها كولومبيا واليمن وجنوب السودان وعدد من الدول الأفريقية، إضافة إلى العراق. والفارق بين حادثة معمل الغاز في عين أمناس بالجزائر أخيراً وغيرها أن المسلحين دخلوا المنشأة بسهولة وسيطروا عليها واحتجزوا من فيها رهائن، وهذا يختلف عن هجوم من الخارج على منشأة محمية أو تفجير أنبوب أو تعطيل محطة ضخ. لهذا فالعملية تعد مؤثرة في أسواق النفط العالمية لأنها ستؤدي إلى رفع تكاليف الحماية حول المنشآت النفطية، كما ستؤدي إلى ارتفاع تكاليف الخبرات الأجنبية في شكل كبير، ليس في الجزائر فحسب، لكن حول العالم أيضاً، وقد تؤدي إلى دخول الصينيين إما كشريك استراتيجي أو كي يحلوا محل الشركات الغربية. وتأتي حادثة عين أمناس مباشرة بعد خسارة 70 ألف برميل يومياً في كولومبيا بعد تفجير ثوار منظمة «فارك» أنبوب «لايمون» للنفط، وإعلان بعض دول الخليج خفضها إنتاج النفط، الأمر الذي دعم أسعار النفط في شكل ملحوظ.

ولمعرفة أثر هذه الأحداث الأمنية في قطاعي النفط والغاز في الجزائر، يجب النظر في الحرب الجزائرية التي بدأت عام 1991 وانتهت بداية 2002 لنرى آثارها. هذه الأحداث لم تؤثر في شكل كبير في قطاع النفط الجزائري فبقيت المنشآت النفطية خارج دائرة الصراع، لكن جرت هجمات على عمال النفط، خصوصاً الأجانب منهم، كما زادت الاستثمار في قطاع الأمن والدفاع على حساب القطاعات الأخرى بما في ذلك النفط. ولا يمكن نفي أثر هذه الأحداث في صناعة النفط إذ كان التأثير مباشراً فتوقف نمو الإنتاج مباشرة مع بداية الأحداث، ثم بدأ الإنتاج بالانخفاض في شكل طفيف. وعلى رغم أن الإنتاج تحسن عام 1997 إلا أنه انتكس مرة أخرى مع اشتداد أعمال العنف.

ومع انتهاء الحرب عام 2002، ازداد إنتاج النفط في شكل مفاجئ وكبير، واستمر في الزيادة لثلاث سنوات متواصلة، ما يدل على أن بعض المنشآت كانت متوقفة عن الإنتاج لأسباب أمنية، أو لعدم توافر استثمارات كافية لتشغيلها. ويمكن القول، بناء على البيانات التاريخية، إن أثر أعمال العنف في إنتاج النفط الجزائري يتمثل في خسارة 50 ألف برميل يومياً، إضافة إلى ضياع النمو المحتمل، ومقداره 190 ألف برميل يومياً عام 1994 و260 ألف برميل يومياً عام 1999. أما إنتاج الغاز الطبيعي فلم يتأثر كما تأثر إنتاج النفط بل استمر بالزيادة طيلة فترة الحرب، ربما لبعد هذه الحقول عن أماكن القتال. وقد يكون هذا البعد السبب الذي جعل منشأة غاز عين أمناس هدفاً للمجموعات المسلحة لأنها معزولة وغير محمية في شكل كافٍ. وواضح أن المناخ السياسي العام الذي نتج عن الحرب والتغيير الحكومي في التسعينات قد أثر سلباً في صناعة الغاز المسال، وأفشل كل الخطط لزيادة الإنتاج أو لبناء محطات جديدة وفق جدول زمني محدد سابقاً.

إضافة إلى ما سبق، هل ما حدث في عين أمناس حادثة فريدة لن تتكرر، أم إننا سنرى أحداثاً مماثلة في الجزائر ودول الجوار؟ إذا كانت حاثة نادرة، فسيتلاشى أثرها في أسواق النفط خلال أيام. أما إذا تكررت، فستلقي ظلالها على أسواق النفط العالمية. إلا أن مشاكل الجزائر لن تتوقف عند هذه الأحداث واحتمال انخفاض صادرات النفط والغاز الطبيعي والغاز المسال، فالدولة ستجد صعوبة حتى في تسويق منتجاتها في الأحوال العادية لأنها خسرت جزءاً من سوقها النفطية في الولايات المتحدة بسبب زيادة إنتاج النفط الأميركي المماثل في النوعية للنفط الجزائري العالي الجودة، وقد تخسر جزءاً من أسواق الغاز المسال بسبب المنافسة الأسترالية والأميركية، خصوصاً بعد عام 2016، كما أن أنابيب الغاز الجديدة من روسيا وآسيا الوسطى قد تنافس الغاز الجزائري الواصل عبر أنابيب إلى أوروبا. وهذا يعني أن أثر اشتداد العنف في الجزائر في أسواق النفط والغاز العالمية سيكون أقل من قبل، بسبب وجود مصادر جديدة للنفط والغاز.

خلاصة القول إن الأحداث التاريخية تشير إلى أن ما حدث في عين أمناس قد لا يؤثر مباشرة في إمدادات الغاز، لكنه سيؤثر في نمو هذه الإمدادات في المستقبل وسيرفع تكاليفها، والأمر ذاته ينطبق على النفط. وكل ما علينا أن نتذكره هو أن إنتاج الجزائر الحالي من النفط والغاز الطبيعي والغاز المسال أقل مما كان مخططاً له قبل 25 سنة. فالتقدم التكنولوجي ساهم في إيجاد مصادر نفط وغاز جديدة تنافس المصادر الجزائرية، الأمر الذي سيخفف من آثار أعمال العنف في الجزائر في المستقبل.