دبي لا تتوقف عن العمل

22/01/2013 5
أحمد الخطيب

وافق وزراء مالية دول الإتحاد الأوروبي مؤخرا على حصول اليونان على دفعة جديدة من المساعدات الخاصة بها والهادفة لحل مشاكل الديون المتعثرة. وقد جاءت الموافقة بعد اقتناع الوزراء بأن اليونان تسير في الطريق الصحيح باتخاذ إجراءات التقشف وسلسلة خطوات أخرى، وأصبح بإمكان الوزراء الانتقال إلى بحث مشاكل إسبانيا و قبرص والبرتغال وإيطاليا والدول الأخرى التي تواجه صعوبات اقتصادية.

في الولايات المتحدة، بدأت الولاية الثانية للرئيس أوباما والذي لعب العامل الاقتصادي دورا أساسيا في إعادة انتخابه، وكان موضوع ما يعرف ب "الهاوية المالية" (Fiscal Cliff) أول تحد واجهه أوباما في ولايته الجديدة، حيث أن عددا  من التشريعات الخاصة التي تم إقرارها سابقا لتحفيز الاقتصاد مثل الإعفاءات والنسب المخفضة ينتهي العمل بها مما يتطلب وضع إجراءات تقشفية والتي سيكون لها تأثير كبير على الاستهلاك والمستهلكين. وبالطبع لن تكون مهمة أوباما سهلة في إقناع الجمهوريين بالموافقة على خطط جديدة بسبب التنافس الانتخابي واختلاف الرؤية.

أما في الصين، فاستلمت قيادة جديدة مقاليد الحكم لكن بتوجه استراتيجي واضح وطويل الأمد استكمالا لسياسة الصين التي أوصلتها لماهي عليه اليوم والتي ستوصلها لتكون أكبر اقتصاد في العالم بعد سنوات قليلة. ويقوم الاقتصاد الصيني على أسس صناعية قوية بالإضافة إلى التوسع خارجيا عن طريق الاستثمارات.

بناء على هذا الشرح الموجز لأهم الأوضاع الاقتصادية في السنوات القادمة يمكننا توقع أن العالم سيشهد حركة تنقل للاستثمارات من مناطق التوتر الاقتصادي إلى مناطق اقتصادية اّمنة ومشجعة للاستثمار. والمعروف تاريخيا أن رؤوس الأموال في فترات التراجع تبحث عن الفرص للاستفادة من العوائد في فترة التعافي.

إن من أهم مميزات المناطق الاّمنة اقتصاديا توفر الفرص الاستثمارية والأنظمة والتشريعات والخدمات للمستثمرين و هذا ما توفره دبي بالإضافة إلى موقعها الاستراتيجي الذي يجعل منها مركزا اقتصاديا مهما. ولكن الأهم من ذلك في دبي هو وجود رؤية استراتيجية طويلة المدى، ومن هنا كان إعلان سمو الشيخ محمد بن راشد ال مكتوم عن إطلاق مدينة محمد بن راشد كمركز للأعمال والسياحة.

ستكون دبي خلال السنوات القادمة محور حركة الاستثمارات المتوقعة بين الشرق والغرب لأنها تعمل استراتيجيا بشكل استباقي وتصنع الفرص ولا تنتظرها. والحقيقة أن النظرة الاستراتيجية في دبي ليست وليدة اليوم ولا صدفة، فالعمل في دبي لم يتوقف يوما حتى في عز الأزمة المالية العالمية. والدليل على ذلك نسب النمو وإنجاز المشاريع الواضحة لأي زائر لدبي من حركة مطار دبي إلى نسب إشغال الفنادق إلى عدد الرخص التجارية الجديدة إلى غير ذلك من المؤشرات الاقتصادية.

عايشنا جميعا فترة إطلاق الكثير من مشاريع البنية التحتية في دبي وما رافق ذلك من حملات تشكيك عالمية واستخدام وصف "الفقاعة"، ثم تحولها إلى حملات شماتة عند بداية الأزمة العالمية. وخلال الأزمة لم نسمع أن دبي غيرت استراتجيتها أو توجهاتها بل استمر العمل على إنجاز المشاريع. بعد ذلك استفحلت الأزمة العالمية وانشغل المشككون والشامتون بتحليل المصاعب الاقتصادية في العالم بنظرة تشاؤمية وانشغلوا عن دبي وما يحدث في دبي اليوم. ولكن الأكيد أنهم سمعوا عن اكتمال أهم مشاريع البنى التحتية في المنطقة.

تمثل دبي اليوم مركزا اقتصاديا مهما عبارة عن منظومة متكاملة من البنية التحتية والتشريعات والقوانين وليس فقط موقعا جغرافيا. وهي تعمل اليوم قريبا من قدرتها الاستيعابية التي لن تكون كافية في المستقبل لاستيعاب التغيرات الاقتصادية العالمية. لذلك يشكل إطلاق المرحلة الثالثة من بناء دبي أكثر من فرصة لها بل ضرورة لمجتمع الأعمال في العالم. ورغم أنها لا تطمح إلى ذلك،  إلا أن دبي أثبتت مرة جديدة أن الرؤية الاستراتيجية واضحة وقابلة للتحقيق وليست مجرد أحلام وأمنيات بل يتم تنفيذها و قياسها بالنمو والأرقام.

وبمناسبة إطلاق المرحلة الثالثة من بناء دبي، فإنني أدعو المشككين لزيارة دبي لمشاهدة نتائج ما أنجز في المرحلة السابقة، ولكن قبل أن يأتوا عليهم التأكد من وجود غرف شاغرة في فنادق دبي التي لديها أكبر نسبة إشغال في العالم.