بشكل عام يتحاشى البيروقراطيون استخدام مصطلح البيروقراطية، ويفضلون مصطلح «الإجراءات الإدارية»؛ وذلك للتقليل من الأثر السلبي لتلك الكلمة، التي أصبح المجتمع ينظر إليها على أنها تعني تأخير إنجاز الأمور، ومن ثم هي البوابة التي تقود إلى الفساد، وأهم أدواته الرشوة، والواسطة.
وسأتحدَّث فيما يأتي عن جانب من الأداء البيروقراطي، سأعبِّر عنه من خلال الإجابة عن السؤال الآتي: كيف حدث أنه في الماضي كان هناك احتكام إلى الأنظمة والقوانين، واليوم كل شيء يعود إلى توجيهات معاليه أو سعادته؟!
للإجابة عن ذلك السؤال لا بد من العودة إلى تاريخ تأسيس الدولة السعودية الحديثة، التي مرت بمراحل أساسية مختلفة، بدأت في عهد الملك المؤسس - رحمه الله - الذي كان الأمن من أهم أولوياته، ثم بدأت مرحلة تكوين الدولة الحديثة، بكل منشآتها.
ولأن العنصر السعودي كان ضعيفاً إدارياً فقد خدم المملكة قدوم عناصر إدارية وقانونية من الدول العربية الأخرى، وفي مقدمتها مصر.
ولذلك، ولسنوات طويلة، وحتى عشرين سنة مضت، كانت كل إدارة حكومية بها سعوديون إداريون يقومون بأقل جهد إداري، ولكن الأمور الفنية والقانونية المطلوبة لشرح أي معاملة كان يقوم بها أولئك المتعاقدون (أو المستشارون)، وهم قد درسوا القوانين بشكل جيد، ويدرسون كل معاملة بشكل معمق، ويقيسون على ما ينص عليه النظام (وهو أمر لم يكن يجيده السعوديون في ذلك الوقت، وربما ارتخوا، أو ارتكنوا إلى المتعاقدين بشكل كليّ). ولذلك فقرارات المسؤولين العليا لم تكن تخرج عن الرأي القانوني الوارد في المعاملة؛ لأنه قانوني.
وهنا أود إعادة سرد قصة عرفت عنها خلال عملي السابق في وزارة المالية، وهي أنه خلال عهد الملك سعود - رحمه الله - تقدَّم شخصٌ بطلب إعفائه من الجمارك، وصدر أمر ملكي بذلك إلى وزارة المالية/ الجمارك، ودُرس الأمر من قِبل الإدارة القانونية في الجهتين (وكل موظفيها في ذلك الوقت من القانونيين المصريين)، وخلصت الدراسة بكتابة جواب لجلالته بأن تحصيل الجمارك مبني على مرسوم ملكي، والمرسوم الملكي أقوى من الأمر الملكي، وانتهى الأمر بأن دفعت الخاصة الملكية الرسوم الجمركية المستحقة!!
قبل عشرين سنة بدأ الحديث عن البطالة، وعن الحاجة لسعودة الجهاز الحكومي؛ ولذلك أصبح أولئك المستشارون غير السعوديين أوائل ضحايا السعودة، ولم يكن السعوديون الذين حـلّـوا مكانهم بوارد أن يدرسوا الأنظمة، ويغطوا الفراغ الحاصل؛ ولذلك لجؤوا إلى أسلوب كتابة المعاملات بطريقة هي أقرب إلى لغة المعاريض، التي تطلب من صاحب القرار أن يتكرم بتوجيههم، ولم يكره صاحب القرار ذلك التغيير في نوعية المعاملات؛ لأنها بدلاً من أن تقيده بما تنص عليه الأنظمة أصبحت تُجـلّـه، وتعتبره هو مصدر التشريع الذي تلجأ إليه؛ ولذلك أصبح مقبولاً أن تكون قرارات ذلك المسؤول متناقضة؛ حيث قد تجد قضيتين متطابقتين، وقد بتّ في إحداها بالإيجاب، والأخرى بالنفي، والسبب أنه تُرك لأهوائه، دون وجود رابط بين أي من القضايا التي عُرضت عليه. ولم يساعد الأمور أن الواسطة قد تفشَّت بشكل أكبر عندما لم يجد المسؤول مانعاً قانونياً، يذكِّره به أحد.
اليوم نحن بحاجة إلى صحوة إدارية، والتخلص من جملة «آمل الاطلاع والتوجيه، والرأي السديد ما يراه معاليكم»، إلى ثقافة القانون، والنظام.. ربما ننجح اليوم في إيجادها بأيادي السعوديين، خريجي القانون، أو أن نعود إلى استقدام متعاقدين جدد!!
صح لسانك.
أخير بدأت أرى من يشير إلى الواسطة على أنها من أدوات الفساد بشكل علني .... توجد دوائر حكومية بالكامل من نفس القبيلة ؛ وتكاد تصبح وزارات أصبحت حكرا على بعض العوائل أو القبائل.. فلتستمر هذه الصحوة ضد الفساد.
صدقت يا أبو هانى و كما يقولون أخواننا المصريون "من بؤك لباب السما"
رغم نظامية المعامله ورغم اكتمال الملف والاوراق المطلوبه الا ان المعامله تتأخر من شهرين الى سنتين -مجرد التوقيع يلزمني المراجعه بعد اسبوع - من المؤسف لا يوجد حس الوطنيه بين أبناء البلد ولا العطف والرحمة بين بعضهم البعض -انا اسيب شغلي وأعطل عشرات الاشخاص عشان توقيع الباشا ! طيب انا عندي مراجعين متعطلين قد يكون فيهم ابوك أو أخوك أو أحد قرايبك ! متى يحب ابناء الوطن الخير لاخوانه كما يحبه لنفسه ----متى نجد اجهزة محاسبه لمثل هذا الاستهتار - تدخل على الواحد منهم كانك تطلب منه شحته ما حطه ولي الامر عشان يخدم المواطن
اعتقد ان ديوان المظالم هم الاشخاص الباقون من القانونيين الذين ذكرتهم فى مقالك
الموضوع باختصار السعودي غير قادر على ادارة البلد
للأسف هذي هي الحقيقة المرّة و اللتي لا يريد الناس سماعها.
توجيهات معاليه وسعادته ؟ لماذا نسيت اقوى منها توجيهات .... خلك صريح او اسكت
اتفق مع المقال في ٩٩٪ مما ذكر. واشكر الكاتب على صراحته المتناهيه وطرحه الواضح المبسّط والعميق في نفس الوقت. النقطة الوحيدة التي أرى انها ليست صحيحة كُلّياً (بل جزئياً) هي كفاءة وانجاز المواطنين. يوجد بيننا ومن ابناء هذا البلد من يستطيع قيادة أمم (وليست ادارة او مصلحة فقط). اعط الشخص هدفاً واضحاً ومسئولية ولاتنس الحساب على التقصير والثواب على الابداع.... وسترى مجتمعاً آخر.
أخي، الصغير يقتدي بالكبير، النظام لا يشمل أصحاب السمو والمعالي والفضيلة ومن في حكمهم. ولذلك أصبح النظام غير محترم. ومن يتقيد بالنظام يصبح مسخرة وأضحوكة.
يا أخوة، القضية معقدة جداً، النظام مكتوب بطريقة بدائية وأغلب الانظمة من عهد الملك فيصل رحمه الله. والنظام منسوخ بعدد من التعميمات التي تتناقض مع النظام ويُرجَع إليها عند الحاجة. النظام غير محترم ولا يعمل به أحد وإذا عمل به شخص فهو تطوع وليس وجوباً. واذا خالف أحد النظام فإنه لا يعاقب.
الأخ سليمان , ان افضل طريقه لتنظيف السلم ا هي : ان تيدأ من اعلى الى اسفل . نحتاج الى الى اراده قويه للقضاء على مشاكلناالقليله والتي منها . الفساد البطاله الإختناقات المروريه مشاكل المرور الواسطه.......
شكرا على هذا المقال الجميل فهو واقع نعايشه لدى الدوائر الحكوميه نتمى ونرجو من الله تعالى أن يخلصنا من البيروقراطيه (الكسل والإهمال وغياب حس المسؤوليه)
لو وجد ما يسمى بمقياس الأداء الوظيفي مدروس و محسوب و مرتبط بالترقيات و الزيادات أتوقع 80% من المعاملات سوف تنجز في الوقت المحدد
المواطنين شركاء ايضا في الجريمه نتيجة انانيتهم ونظرتهم بعين الشك والريبه لكل الموظفين انهم مرتشين وحرميه . كما انهم فوضويون في طلبهم . فهو يتقدم الى الادراه لطلب شي ما كأنه داخل مطعم عطني واحد كبده واحد رخصة واحد سجل !! بدون ارفاق اي مستندات او طلبات نظاميه ويتعنت ويتذمر من رفض طلبه !!
المال السايب يعلم السرقه - لعدم وجود رقيب أو حسيب -لعدم وجود عقاب رادع -من أمن العقوبه أساء الادب -لعدم وجود تخطيط سليم - لعدم وجود نظام واضح وثابت - النافذين في البلد لا يهمهم الا مصالحهم الشخصيه ومصالح أقاربهم ولايوجد لديهم الحس الوطني - يمقن طالب الابتدائي لديه حس وطني أفضل منه
لو كنت وزيرا ولي صلاحية لكان أول قرار أتخذه هو إنشاء ادارة قانونية خاصة بالوزارة وبأنظمتها وأصدرت كتاب محدث يحمل كل الأنظمة الخاصة بالوزارة ثم يوزع على المدراء ويتم اختبارهم فيه بعد مدة هل حفظوه أم لا .. وحينها لا يحتاج الأمر لكل معاملة إلا لتوقيع واحد من الادارة المسؤولة .. في احد الوزارات حاجَ احد الموظفين او المراجعين احد المدراء بوجود تعميم في صفه، فخرج من غدا تعميم جديد جاء من ضمنه الغاء التعميم السابق ! قانون مزاجي للأسف
شكرا أستاذ سليمان,, فأنت من أميز كتاب المقالات الذين اقراء لهم,,