لعل أبرز ما حققته الرؤية خلال السنوات الخمس الماضية منذ إطلاقها، تطوير الأنظمة والإجراءات لتيسير الأعمال وتسهيل الخدمات عبر التخلص من الإجراءات البيروقراطية لتطوير منظومة الأعمال، وذلك عبر إصدار وتعديلات لنحو 197 تنظيمًا وتشريعًا، وهو عدد ضخم أسهم بتنشيط قطاعات اقتصادية عديدة وهيكلة واسعة مثلت جزءًا رئيسًا من التحول الاقتصادي المستهدف، إضافة إلى الإصلاحات الاقتصادية التي أُقرت. وبالتأكيد ما زال التوجه للتطوير والتحديث مستمرًا كما هو مبرمج وأيضًا حسب الاحتياج، فالتخلص من البيروقراطية حالة مستمرة، فأغلب الدول التي تقدمت أنظمتها احتاجت لوقت ليس بالقصير للوصول لأفضل الممارسات، والدول عموماً تستفيد من تجارب غيرها حتى تتلافى أي سلبيات تطرأ عند تغيير أو تعديل أو إصدار أي تنظيم أو تشريع.
فالبيروقراطية عرفت كنظام منذ عقود طويلة، ويعد «ماكس ويبر» الأب الروحي لنظرية البيروقراطية، وهو مفكر اقتصادي وسياسي ألماني توفي عام 1920م. وإذا كانت البيروقراطية تُعدّ تنظيماً صارماً يوزع المهام والتخصصات دون تداخل بين الإدارات إلا أنها تُتهم من مدارس إدارية عديدة بأنها سبب في بطئ اتخاذ القرارات، وقاتلة للإبداع، وطاردة للكفاءات، ومعطلة للتنمية بسبب تعقيداتها في هيكلية عملها، فالمجتمعات كافة تضع استدامة التنمية هدفاً لها كونها تنعكس إيجاباً على الرفاه الاجتماعي بأبعاده كافة، وقد عرفت الأمم المتحدة التنمية عام 1956م بأنها «العمليات التي بمقتضاها توجه الجهود لكل من الأهالي والحكومة بتحسين الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المجتمعات المحلية لمساعدتها على الاندماج في حياة الأمم والإسهام في تقدمها بأفضل ما يمكن». ولا يمكن لعملية التنمية أن تحقق أهدافها بالاستدامة إلا بتطوير وتسهيل الإجراءات والأنظمة المحركة للنشاط الاقتصادي، ومن هذا المنطق فإن البيروقراطية تُعدُّ عدوًا لأي مشروع تنموي.
وحقيقة لا تخلو دولة في العالم من البيروقراطية، فقبل نحو 18 عاماً أجريت دراسة في بريطانيا عن الخسائر الاقتصادية التي تسببها بعض الإجراءات البيروقراطية العالقة في أنظمتهم، وكانت النتيجة صادمة، إذ وصلت الخسائر غير الملموسة لنحو 450 مليار دولار سنوياً فيما لو كانت الأنظمة رشيقة وميسرة أكثر للأعمال والخدمات، فماذا لو تمت دراسة مشابهة في المملكة لقياس أثر أي تأخير ينتج عن إجراءات ما زالت بحاجة لمراجعة من الناحية الاقتصادية، مثل طرح المناقصات أو ترسيتها وآليات تنفيذها، إضافة إلى المدة التي يحتاجها الفرد عند تقدمه لوظيفة والبدء بالمقابلات حتى يباشر عمله، فما زلنا نسمع عن مدد طويلة نسبياً ببعض الإجراءات، كالتوظيف عموماً بالقطاع العام أو الخاص قد تصل لشهور، وكذلك في تنفيذ بعض المشاريع من تاريخ طرحها حتى البدء بالتنفيذ، فلو قامت أي جهة رسمية ذات علاقة وتخصص وبالتعاون مع أي جهة تمثل القطاع الخاص كاتحاد الغرف السعودية بإنجاز مثل هذه الدراسة التي يمكن أن تسهم أكثر بتوضيح أثر البيروقراطية السلبي بتعطيل التنمية وتأخير الوصول لأهدافها وحجم الخسائر المالية منها.
بالتأكيد هناك دراسات أثمرت بما تم إنجازه من تعديل وإصدار للأنظمة خلال السنوات التي أعقبت إطلاق رؤية 2030م، وإذا ما تم عمل دراسات لقياس الأثر المالي ونشرها وذلك لأي تأخير غير مبرر نتيجة أنظمة أو إجراءات لم يطالها التعديل، فسيكون لذلك أثر مهم في معالجة أي عقبات أو تحديات تواجه مشروع التنمية المستدامة بالمملكة الذي أصبح نموذجاً تنموباً رائداً إقليمياً وعالمياً.
نقلا عن الجزيرة