تجد البنوك العاملة في السوق المحلي نفسها في مأزق حقيقي الآن، بعدما دخل تعميم البنك المركزي بتقييد عمليات الإقراض العقاري حيز التنفيذ، وضاع عليها أهم منفذ لتصريف الودائع المتراكمة. ومن غير الإنصاف اعتبار هذا التعميم مجرد قرار عابر، ولكنه بمنزلة توجه جديد يتبعه المركزي مستخدماً صلاحياته الواسعة وما لديه من أدوات تتحكم في السياسة النقدية، بعدما لم تجد سياسة المناشدة والنصح والإرشاد نفعاً مع بعض البنوك التي دأبت على الاستسهال وإقراض القطاعات منخفضة المخاطر على حساب تلك المتعطشة للسيولة، ما أوجدخللاً في نمو قطاعات الاقتصاد المحلي لتحتل العقارات، ومن قبلها الأسهم، مكانة لا تستحقها على حساب الصناعة والخدمات والتجارة.
نعم البنوك أصبحت في مأزق،فالودائع تتراكم في خزائنها، والتكلفة ترهق كاهل قوائمها المالية، ولن تفلح للخروج من هذه الورطة كتائب مندوبيها التي تطارد العملاء الأفراد ليلاً ونهاراً على الهواتف وفي الطرقات والمكاتب وعبر البريد الإلكتروني لإقناعهم بالحصول على قرض شخصي أو بطاقة ائتمانية جديدة. ووفقاً لأحدث البيانات الصادرة عن المركزي، زادت الودائع المسجلة لدى البنوك بنهاية أكتوبر الماضي على القروض بنحو 59 مليار درهم لتسجل تريليوناً و162 ملياراً.واللافت أن القروض استقرت خلال الشهر من دون أي زيادة عند مستويات سبتمبر نفسها مسجلة تريليوناً و103 مليارات.
وفي مقابل نمو بنسبة 1.6 في المئة للودائع، سجلت القروض نمواً صفرياً ، إن صح التعبير. وهذا مؤشر سلبي لأن تباطؤ الإقراض يؤدي حتماً إلى تباطؤ مماثل في النمو الاقتصادي.وبغض النظر عن ملابسات هذا التراكم في الودائع، إلا أنه يثبت أن الاقتصاد الوطني لم يكن لديه أزمة سيولة يوماً، كما الحال في معظم الاقتصادات العالمية التي عانت من الأزمة المالية العالمية منذ العام 2008، والتي كانت أصلاً أزمة سيولة.الأزمة هنا تتعلق بأولويات البنوك التي بدأت على استحياء في عمليات الإقراض للشركات بعد توقف دام خلال أغلب سنوات الأزمة، كبديل تراه عالي المخاطرة لتصريف ما لديها من ودائع.
أتمنى ألا تكون الأولوية، بعد تقييد القروض العقارية، هي التوجه صوب إقراض تعاملات الأسهم لأن من شأن ذلك خلق طلب وهمي، وتكوين فقاعة جديدة كما حدث قبل العام 2005 عندما تضخمت أسعار الشركات المدرجة بشكل مبالغ فيه.الحل إذاً في إعادة النظر في أولويات البنوك، وضرورة تحفيزها من جانب المركزي على إقراض القطاعات الأكثر تعطشاً للسيولة، وعلى رأسها المشاريع الصغيرة والمتوسطة، مع الأخذ في الحسبان خلق نمو متوازن لقطاعات الاقتصاد كافة.
ابق على اطلاع بآخر المستجدات.. تابعنا على تويتر
تابِع