المدن الاقتصادية وهيكلة الرخص.. أولويات هيئة الاستثمار

02/01/2013 1
محمد العنقري

مضى سبعة أشهر على تعيين محافظ جديد للهيئة العامة للاستثمار، وهي فترة تُعد قصيرة لفهم ومعرفة ما تحتاجه الهيئة من تطوير ومواءمة ذلك مع احتياجات الاقتصاد الوطني المستقبلية، إلا أن مرور سنوات طويلة على تأسيس وعمل الهيئة والخبرة الكبيرة التي يمتلكها المحافظ الجديد لا تشفع كثيراً لكل هذا التأخير بالإعلان عن خطط الهيئة القادمة.

وقد طالعتنا جريدة «الجزيرة» قبل أسابيع بخبر حصري عن قيام الهيئة بمسح وتقييم لبعض الاستثمارات المرخصة لاتخاذ إجراءات وقرارات بهدف تطوير آليات الاستثمار ومعرفة واقع ما تم الترخيص له من نشاطات منذ بدء عمل الهيئة، وإذا صحّت هذه الأخبار فهو يُعد خطوة بالاتجاه الصحيح، إذ لا بد من الوقوف على كل ما تم عمله إلى هذا التاريخ، وما هو أثره ومردوده السلبي قبل الإيجابي على الاقتصاد المحلي.. إلا أن الهيئة مطالبة أيضاً بتطوير نماذج تسويق الفرص الاستثمارية محلياً وعالمياً بآليات مختلفة عن المراحل السابقة تُركز على توطين التقنية وفتح الفرص للقطاعات التي نفتقر وجودها سواءً كلياً أو موجودة بحجم إنتاج محدود، وإذا ما انتقلت الهيئة بمفهوم جذب الاستثمارات إلى مبدأ الشراكة الكاملة مستفيدة من الاتفاقيات التجارية بين المملكة ودول العالم وكذلك عضوية المملكة بمنظمة التجارة العالمية، فإن ذلك سينتقل بهذه الاستثمارات التي سيتم تدفقها مستقبلاً لكي تكون بمثابة شركات وطنية خالصة يُؤخذ بعين الاعتبار احتياجاتها وكل ما يسهم باستقرارها لتكون ليس فقط مجرد فروع للشركات الأم، بل إن التحولات العالمية جعلت من بعض الشركات الكبرى عالمياً أن تنقل مقراتها الرئيسة لدول أخرى غير التي تأسست فيها.. فتسهيل تنقل الأموال وكذلك ترقية إقامة ملاَّك هذه الاستثمارات لدرجة مختلفة عن ما هو معمول به حالياً وإعطائهم مزايا إضافية من حيث المدة التي يتطلبها تجديدها والرسوم التي تدفع وطرق التنقل من وإلى المملكة، بالإضافة إلى الأخذ بعين الاعتبار التعاون مع الجهات التعليمية والتدريبية، وكذلك وزارة العمل بتوفير الكوادر البشرية الوطنية لتشغيل هذه الاستثمارات، سيضيف الكثير لانعكاس إيجابي أكبر لتلك الاستثمارات.

إلا أن الأولوية بعمل الهيئة تبقى التركيز على تذليل كل العقبات أمام المدن الاقتصادية وإعادة النظر بواقعها وتطوير القوانين الناظمة لها ولعملها وتشغيلها والتسريع بإنشاء مرافقها ومعرفة كل ما يعيق ذلك وتوفير طرق تمويل خاصة واستثنائية لها سواء بإنشاء صندوق للتحفيز الاستثماري يمدها بالسيولة اللازمة ويسهم بتفعيل دورها بالاقتصاد المحلي دون تأخير وبشروط إقراض ميسرة ومضمونة على غرار صندوق الاستثمارات العامة الذي لعب دوراً إستراتيجياً إيجابياً بقيام عشرات الشركات التي أصبح بعضها عملاقاً صناعياً أو خدمياً كسابك والاتصالات.

وكذلك من خلال توجيه الاستثمارات الأجنبية لها لتُشكّل في مجملها بيئة عمل متناسقة تحقق أهداف إنشائها، ورغم أنها قد لاقت دعماً كبيراً، لكن ذلك لا يمنع من إعادة النظر بكل ما تم ودعمها بما تحتاجه حالياً ومستقبلاً خصوصاً أن حجم الاستثمارات المطلوبة لإنشاء هذه المدن كبير ومع تفاقم الأزمة المالية العالمية، فإن مصادر وتكلفة التمويل باتت قليلة ومكلفة، فيما تتمتع المملكة باحتياطات مالية ضخمة ومن الممكن توظيف جزء منها لدعم تمويل هذه المدن المهمة لاقتصادنا والتنمية المستدامة فيه.

كما أن إعادة النظر بالأنشطة المتاحة للاستثمار وإلغاء وإضافة بعضها سيوفر مرونة كبيرة بديناميكية احتياجات الاقتصاد المحلي وسيمنع منافسة غير متكافئة للمواطنين الذين يمتلكون مشاريع صغيرة واجهوا منافسة من مقيمين تحولوا لمستثمرين بأنشطة لا يحتاج الاقتصاد التوسع بها أو لا تُمثل الاستثمارات الأجنبية أي قيمة مضافة له.

فبعض هذه الاستثمارات فاقمت من مشكلة البطالة ورفعت من نسب التستر حالياً ولم تضف أي تقنية أو توسع بإنتاج حقيقي، كما لعب بعض المستثمرين الأجانب دوراً بتعطيش الأسواق لبعض السلع كما أوردت وسائل إعلامية عديدة سابقاً خلاف حالات الغش التي مارسوها، فما هي فائدة الترخيص لورش أو مطاعم أو مؤسسات مقاولات صغيرة، فالسوق المحلي متشبع منها.

إن عمل هيئة الاستثمار المطلوب كبير جداً، ولا يمكن أن تكون متداخلة بكل هذا الكم من التفاصيل الاستثمارية لأغلب الأنشطة الاقتصادية، فتركيزها على المدن الاقتصادية وسرعة نهوضها وجذب ما يحتاجه الاقتصاد المحلي فعلياً من استثمارات، خصوصا ذات الحجم الكبير بكل نشاط أو قطاع اقتصادي والتخلي عن الترخيص للمنشات الصغيرة وعديمة الجدوى من شأنه أن يُظهر الأثر الاقتصادي الإيجابي على الناتج الوطني توطيناً للتقنية ورؤوس الأموال والوظائف.