دولنا الخليجية تواجه اليوم 4 تحديات رئيسة، تنحصر في قدرتنا الذاتية على الدفاع عن حدودنا، وتحقيق الأمن المائي والغذائي، إلى جانب تنويع مصادر دخلنا وتعميق قاعدة أنشطتنا، وتوطين وظائفنا في قطاعاتنا الإنتاجية.
لقناعة قائد مسيرتنا بالتحديات الملحّة التي تواجه مستقبل دولنا الخليجية، أطلق خادم الحرمين الشريفين في العام الماضي مبادرة الانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، لما يمتاز به مجتمعنا الخليجي عن باقي الأقاليم في قريتنا الكونية بتكاتف قادته وتجانس مجتمعه وترابط أهدافه.
في العام الماضي أيضاً احتفل العالم بارتفاع عدد الشراكات الاقتصادية والتحالفات الدفاعية والتكتلات السياسية إلى 230 اتحادا دوليا مؤثرا، تستفيد جميع دولها من كافة مزاياها البينية وتسيطر على 76% من الاقتصاد العالمي وتمتلك 89% من قيمة التجارة الدولية وتتحكم في 90% من حركة رؤوس الأموال، وتستحوذ على 92% من خدمات الاتصالات وتقنية المعلومات، وتمتلك 97% من حقوق الملكية الفكرية والصناعية. ورغماً عن افتقارها لخيرات الأرض وثروات الطاقة، إلا أن نسب البطالة بين شعوبها انخفضت وانحسر الفقر المدقع بين مواطنيها بسبب ازدهار تجارة أسواقها البينية وتضاعف وتيرة مشاريعها الاستثمارية المشتركة وارتفاع قيمة صادراتها العالمية. ورغماً عن تباين أديانها واختلاف لغاتها وتفاوت تقاليد مجتمعاتها، تآلفت قلوب الدول في هذه التحالفات وتلاشت أحقادهم أمام تحدياتهم المشتركة وتوحدت جهودهم لتنمية مواردهم وتسخير قدراتهم لتطوير مستقبل أجيالهم.
للانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، تمر الأقاليم عبر 5 مراحل فرعية، يبدأ أولها في تأسيس منطقة التجارة الحرة بين دول التحالف لتحقيق حرية انتقال السلع والخدمات وإلغاء قيودها الكمية، إلى جانب تخفيض الرسوم الجمركية تدريجياً على تجارتها البينية. وتأتي المرحلة الثانية من خلال تكوين الاتحاد الجمركي وإزالة كافة الحواجز والمعوقات التي تواجه تجارة دول التحالف وتلجأ إلى توحيد رسومها الجمركية تجاه صادرات دول العالم إليها.
وتتحقق المرحلة الثالثة بإنشاء السوق المشتركة لتحرير حركة عناصر الإنتاج وسهولة عبور البضائع وتمتعها بالحماية المشتركة والأنظمة الموحدة داخل أسواقها المشتركة. وتختص المرحلة الرابعة بتكوين الاتحاد بين دول التحالف من خلال التنسيق بين سياساتها الاقتصادية والدفاعية والمالية والاستثمارية لإزالة كافة أوجه التمييز الناجم من التفاوت والتباين في أنظمتها وقوانينها. أما المرحلة الخامسة والأخيرة، فتهدف إلى تأسيس التكامل السياسي بين دول التحالف وتوحيد أنظمتها الدفاعية المشتركة وتنظيم سياساتها النقدية والمالية الموحدة.
قبل 14 سنة أطلقت 10 دول آسيوية، يخدم مواطنوها في بيوتنا ومزارعنا ومصانعنا الخليجية، تحالف مجموعة "آسيان" الاتحادي، ليصبح اليوم ثالث أكبر قوة اقتصادية في العالم ويتفوق بنسبة نموه 250% على مجموع نسب النمو في عالمنا العربي، ويرتفع ميزان تحالف دوله التجاري إلى ضعف نظيره في دول الاتحاد الأوروبي.
وقبل 13 سنة أنشأت 6 دول في أميركا الجنوبية اتحاد "ميركوسور" الجمركي، ليصبح اليوم من أفضل مناطق التجارة الحرة في العالم، ويتفوق على غيره من الاتحادات الجمركية بسرعة نمو تجارته البينية وقدرة أنظمته الموحدة على تعظيم مكاسبه الاقتصادية. علماً بأن عدد سكان دولنا الخليجية لا يزيد اليوم عن 0,5% من إجمالي سكان العالم، إلا أن دولنا تمتلك 44% من مخزون الطاقة العالمي، الذي تقدر قيمته بحدود 800 ألف مليار دولار بالأسعار الجارية، ليعادل 15 ضعف قيمة الناتج الإجمالي العالمي السنوي و60 ضعف قيمة التجارة العالمية في كافة القطاعات و47 ضعف الميزانية السنوية لدول أميركا وأوروبا مجتمعةً، لذا أصبحت دولنا الخليجية تواجه اليوم 4 تحديات رئيسة، تنحصر في قدرتنا الذاتية على الدفاع عن حدودنا وصد مطامع أعدائنا، وتحقيق الأمن المائي والغذائي لشعوبنا، إلى جانب تنويع مصادر دخلنا وتعميق قاعدة أنشطتنا، وتوطين وظائفنا في قطاعاتنا الإنتاجية.
اليوم تؤكد كافة التقارير أن الفجوة المائية والغذائية في دولنا الخليجية فاقت المعدلات العالمية بنسب وصلت إلى 84% في المياه و76% في الغذاء. فنحن نستورد 100% من احتياجاتنا من الأرز و90% من الحبوب و85% من السكر و63% من الزيوت النباتية و60% من الأعلاف و47% من اللحوم. خلال العقد المنصرم فقط، ارتفعت فاتورة وارداتنا الغذائية بنسبة 27% سنوياً، لتتضاعف مستقبلاً كل ثلاث سنوات طبقاً للأسعار السائدة في العام الجاري، لذا أصبح الأمن المائي والغذائي على رأس أولوياتنا الملِّحة ويشكِّل أهم التحديات التي نواجهها، ومن واجبنا البدء فوراً بإنشاء المخزون الاستراتيجي المشترك للماء والغذاء لضمان مستقبل أجيالنا.
الإحصائيات الرسمية أكدت أن عدد السكان الإجمالي لدول الخليج العربية سوف يزيد خلال العقد القادم بنسبة 57%، ليرتفع عدد الخليجيين إلى 57 مليون نسمة في عام 2020. هذا الارتفاع سيؤدي إلى زيادة المعروض من قوة العمل الخليجية بنسبة تفوق 112% عما هي عليه اليوم، ليصل بعد 10 سنوات إلى 23 مليون خليجي قادر على العمل في مختلف القطاعات الإنتاجية. كما أشارت هذه الإحصائيات إلى أن نسبة مساهمة قطاع الخدمات في الناتج الخليجي الإجمالي لا تزيد في المتوسط عن 40%، وهي من أضعف النسب بين دول العالم، حيث تفوق هذه النسبة 60% في كل من الصين والهند، و70% في كوريا وتايوان وسنغافورة، و80% في أوروبا و85% في كل من أميركا واليابان، لذا فإن توطين الوظائف يقع ضمن أولوياتنا الملحّة أيضاً، ومن واجبنا البدء فوراً في إعادة هيكلة التعليم وتوجيه مخرجاته لتحقيق النسبة القصوى من مساهمة قطاع الخدمات في الناتج الخليجي الإجمالي.
هذه التحديات الملحّة لا تتحمل تأجيل تنفيذ مبادرة قائد مسيرتنا للانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد.
ابق على اطلاع بآخر المستجدات.. تابعنا على تويتر
تابِع