كنت وما زلت أدعو إلى تشجيع الصناعة ودعمها بكل الوسائل في عدة مقالات سابقة، معتبرا ذلك خيارنا الاستراتيجي لحل مشكلات الفقر والبطالة، ونقل التقنية وإيجاد مصادر دخل مساندة للنفط. وفي هذه الأيام فرحت (كغيري) وأنا أسمع خبرين سعيدين (في أسبوع واحد) يزفان البشرى للشعب السعودي بمشاريع سيارات عالمية جديدة في السعودية، كبوادر نجاح للبرنامج الوطني لتطوير التجمعات الصناعية التابع لوزارة التجارة والصناعة السعودية.
فنحن نستبشر بهذه المصانع، ليس لأنها فقط تحرك الاقتصاد المحلي السعودي، ولكنها أيضا تحرك اقتصاد الخليج والمنطقة، ولأن واقع خطوط الإنتاج لصناعة السيارات تعمل بطريقة تكاملية، مثلها مثل تروس المحركات، يحرك بعضها بعضا. وأن هذه المشاريع نقلة نوعية في مجال الصناعة السعودية لعدة أسباب؛ فضخامة السوق السعودية وانفتاحها على الأسواق الإقليمية والعالمية عامل أساس لنجاح هذه الصناعة، حيث تستورد السعودية وحدها 600 ألف سيارة سنويا بتكلفة تقارب 110 مليارات ريال سعودي. ومثل هذا التوجه يُعد بمثابة تحدٍّ اقتصادي وصناعي؛ فكل سيارة تنتج في السعودية وتباع محليا، تعني توفير مبلغ كان سيخسره الاقتصاد الوطني. وكل سيارة تنتج سعوديا وتصدر للخارج تعني دخلا إضافيا لموازنة الدولة، آخذين بعين الاعتبار توفر أهم عناصر هذه الصناعة مثل منتجات النفط وخام الحديد والرمل والبطاريات.. وتوفر فرص العمل للمواطنين، وفتح الباب للاستثمار المحلي والأجنبي بشكل أفضل. كما أن مثل هذه المشاريع الحيوية تعتبر بديلا أرحب عن استثمار الاحتياطيات النقدية في الأسواق العالمية.
أما بالنسبة للجدوى الاقتصادية، فيكفي أن نعلم أن فلسفة صناعة السيارات تقوم على فلسفة تتمثل في تحويل القطع المكونة للسيارة بتكلفة متدنية وبيعها بنحو 40 ضعف قيمتها كمنتج نهائي! هذا مع أننا نعلم أن مشروع «جاغور لاندروفر» التابع لشركة «تاتا» الهندية، الذي ينتظر أن تصل طاقته الإنتاجية إلى 50 ألف سيارة ويوفر 4500 وظيفة، ومشروع «أيسوزو» اليابانية الذي سينتج قرابة 25 ألف سيارة بعام 2017، وأنه سيوظف (كبداية) 800 موظف.. لكن الواجب علينا في هذه المرحلة أن لا نحصر رؤيتنا في ذلك فقط، لأن مثل هذه المصانع فائدتها لن تتوقف عند حد إنتاجها. بل إنه من المعروف أن مصانع السيارات تشغل وترفع من كفاءة المصانع المحلية، كمصانع الحديد الوطنية والألمنيوم والمطاط والكربون الأسود والبلاستيك والقماش والدهانات والمنظفات والزجاج والنحاس ومنتجات النفط، إلى غير ذلك من مشاريع الصناعات في خطوط الإنتاج الصناعية المساندة والتكميلية والمرتبطة، إضافة إلى دورها في إنعاش المدن والمحافظات التي تقع فيها هذه المصانع وترفع المستوى المعيشي لأهاليها. مع ما في توطين هذه الصناعة ونقل وتطوير تقنياتها محليا وتخفيض تكلفتها على المستهلك المحلي.
ولذلك، فالواجب أن لا ننظر لمثل هذه المشاريع على أنها لمصلحة ملاكها؛ سواء كانوا شركات عائلية أو شركات مساهمة. ولكن ننظر إلى عائدها على الدخل القومي، وما تحققه من هدف تنويع مصادر الدخل الذي نسعى إليه، وكم ستوفر من فرص وظيفية لنواجه بها الفقر والبطالة وفراغ الشباب الذي يتسبب في انحراف بعضهم، واستسلامهم للجريمة والمخدرات، وتبني الأفكار المسالك الهدامة.
ختاما.. لا يفوتني بهذه المناسبة أن أذكر أن مثل هذه المشاريع، هي بمثابة المعول الأساس لتعزيز دور المملكة على الساحة العالمية.