الحاجة إلى عقود الخيار في سوق الأسهم السعودية

17/12/2012 7
د. فهد الحويماني

عقود الخيار وسيلة مالية حديثة وجدت لمنح المتعاملين في الأوراق المالية والسلع والعملات المرونة اللازمة لبناء خططهم الاستراتيجية للتعامل في الأسواق المالية. فمن خلال عقود الشراء يمكن لمن يرغب في تملك أصل من الأصول أن يدخل في عقد يمنحه حق الشراء خلال فترة معينة، بسعر معين وكمية معينة، وذلك بقيامه بدفع مبلغ من المال مقابل الحصول على هذا الحق. وميزة هذا العقد أنه يمنح المشتري مهلة زمنية كافية لاتخاذ القرار من عدمه،حسبما يستجد من أمور متعلقة بالأصل نفسه وحسب وضع الشخص المالي. فهذه الوسيلة تحقق منفعة واضحة للمشتري، وكذلك منفعة واضحة للبائع الذي يستطيع عرض سلعته للبيع بسعر مرضٍ له، وإن لم يتحقق البيع خلال المدة فيقبض ثمن ما دفعه المشتري للحصول على هذا الحق. وهذا مجرد مثال واحد من أنواع عقود الخيار العديدة التي لن نتطرق إليها في هذه المقالة، بل سنركز فقط على عقود الشراء من حيث آلية عملها، ومن ثم مناقشة حجج من يقول إنها محرمة شرعاً، وذلك لمعرفة ما إذا كان الفهم الذي بني عليه تحريمها سليماً من ناحية فنية عملية بحتة أم لا.

لا مجال هنا للحديث عن نشأة العقود وبدايتها في أمريكا عام 1973 ومن ثم انتقالها إلى دول أوروبية وشرق آسيوية عديدة، ولا إلى حجم عملياتها التي تتجاوز ملايين العقود سنوياً، ولا إلى أصنافها واستراتيجياتها المتنوعة، ولا إلى تفاصيل الفتاوى التي صدرت بشأنها. هنا الحديث فقط عن أشهر أنواع العقود، المسمى عقد الشراء، والرد على النقاط الرئيسة التي أخذت في الاعتبار من قبل من قال بتحريم عقود الخيار، مثل مجمع الفقه الإسلامي الذي أصدر فتواه بعدم جواز عقود الخيار في دورته السابعة، بقرار رقم 63. ولعدم توافر الحيثيات والعلل التي تم الاستناد إليها في مداولات المجمع، فسأناقش أبرز النقاط التي أثارها عدد من الباحثين في هذا الجانب، مثل الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين والأكاديمية الإسلامية المفتوحة والدكتور سالمي السويلم والمفتي الدكتور محمود فهد مهيدات والباحث عبد الله بن سفران، وغيرهم.

أبرز هذه المآخذ، من وجهة نظر القائلين بها، أن عقد الخيار ينطوي على بيع الإنسان ما ليس عنده، وأن بيع غير المملوك محرم شرعاً. ووجهة النظر هذه لا تنطبق مطلقاً على معظم تعاملات عقود الخيار، تلك المبنية على العقود المغطاة التي يكون الأصل فيها موجوداً في حوزة البائع. فمن المعروف أن عقد الخيار يمكن أن يباع في عدم وجود الأصل، وهذا يسمى البيع على المكشوف، إلا أن أغلبية العقود المباعة تتم على ما يملكه الشخص من أسهم أو سلعة. بل إن كثيرا من الوسطاء لا يسمح بالبيع على المكشوف، وإذا سمح به فيكون لفئة من المتداولين وبشروط وضوابط معينة. أما في العقود المغطاة، الأكثر شيوعاً، فهي أن يكون لدى الشخص كمية من الأسهم يقوم ببيع عقود شراء عليها ويقبض ثمن هذه العقود بما يشبه العربون. إذاً فتحريم عقود الخيار بحجة أنها بيع ما لا يُملك لا تنطبق على هذا النوع من عقود الخيار.

سبب آخر ورد في تحريم عقود الخيار هي أنها تعارض قاعدة العدل التي هي من أصول العقد، حيث ينظر إلى عقد الخيار على أنه منفعة لطرف على حساب الآخر، والأصل أن يكون كل من طرفي التعاقد غانماً. من وجهة نظري هذا الأمر غير صحيح لأن كثيراً من التعاملات التجارية المباحة تنتهي بتفوق طرف على الآخر، وهو ما لم يكن معلوماً بشكل قاطع عند التعاقد، وإلا ما تم العقد أصلاً. فعندما تشتري أسهم شركة ما فأنت تقوم بذلك لاعتقادك بأنك ستخرج رابحاً في نهاية الأمر، بينما من باعك الأسهم هو في حد ذاته يعتقد أنه رابح بتخلصه من الأسهم التي باعك إياها، وعلى الرغم من ذلك فالعقد صحيح وقاعدة العدل باقية فيه، حتى إن ارتفع السهم بعد ذلك أضعافا عدة .. فهل نعتبر المشتري غانماً والبائع غارماً؟ في العقود عامة، طالما أنها تمت برضا الطرفين وبناء على معلومات صحيحة فالعدل موجود فيها، ومبدأ الغنم والغرم غير داخل فيها. وفي هذا كذلك رد على من يقول إن هذه العقود تنطوي على الغرر، وهو التعامل الذي خفيت عاقبته، وهو بلا شك محرم شرعاً، لكن عقود الخيار ليست خافية العاقبة، فمعروف منذ لحظة توقيع العقد مدى الالتزام المالي على كل طرف وحجم الأرباح والخسائر حسب سيناريوهات مختلفة. الشيء الوحيد غير المعروف هو سعر الأصل مع مرور الزمن، وهذا من ناحية شبيه ببيع السلم، المباح شرعاً، من حيث إن سعر المبيع في السوق وقت تسلم المبيع غير معروف، وعلى الرغم من ذلك يجوز التعاقد.

وعلى الرغم من تشابه عقود الخيار مع خيار الشرط المباح والمعروف في الفقه الإسلامي، إلا أن من حرم عقود الخيار أوجد اختلافات جزئية وهامشية بين النوعين لنفي صحة عقود الخيار. على سبيل المثال، أشار الباحثون إلى أن محل العقد في الفقه الإسلامي هو المال، بينما في عقود الخيار محل العقد هو العقد ذاته، فهو إذاً حق معنوي وليس حقاً عينياً. وهذا غير صحيح، لأن المعقود عليه في معظم أنواع عقود الخيار أصل معلوم عيني وموصوف تماماً، كالأسهم والسلع والعملات. وهناك من أشار إلى أن ثمن عقد الخيار الذي يدفعه المشتري يختلف عن العربون المباح شرعاً في أن ثمن العربون جزء من ثمن السلعة، بينما ثمن عقد الخيار منفصل عن ثمن السلعة. وهذا غير صحيح، لأن ثمن عقد الخيار لم يأتِ من فراغ، بل هو مبني على ثمن السلعة، مثله مثل العربون، ولا يوجد ما يمنع اعتباره جزءاً من ثمن السلعة. فعندما تدفع خمسة ريالات كثمن للحصول على عقد شراء لسهم واحد من أسهم شركة سابك بسعر 100 ريال، فأنت ترغب في شراء السهم بسعر 105 ريالات، دفعت منها خمسة ريالات كعربون ومائة ريال عند الشراء.

ختاماً .. وقبل أن توجه إليّ سهام الاعتراض، أقول إن هناك عددا من العلماء المعروفين ممن أجاز بعضاً من صور عقود الخيار، خصوصاً النوع الذي تطرقنا إليه هنا - عقد خيار الشراء المبني على امتلاك الأصل - ومنهم فضيلة الشيخ يوسف الشبيلي وفضيلة الشيخ عبد الله المنيع والباحث أحمد سليمان في الموسوعة العلمية والعملية للبنوك الإسلامية، والشيخ محمد القري، وغيرهم.