جاذبية سوق العمل مقياس للبطالة

29/11/2012 4
محمد العنقري

تقوم وزارة العمل بنشاط غير اعتيادي لتخفيض نسب البطالة عبر برامج عديدة حققت توظيف عدد كبير في أقل من عام وصل لقرابة أربعمائة ألف مواطن من الجنسين إلا أن هذه الأرقام الضخمة من الوظائف التي تم توطينها تحتاج إلى الكثير من التحليل الذي سيعطي صورة أوسع عن مدى كون جزء كبير منها.

وظائف ذات محتوى مهني ومادي يسمح لشاغلها بالاستمرار فيها وكم تبلغ أيضا نسبة الوظائف التي تعد مؤقتة على الأقل بنظر من يعمل بها.

وبالتالي فإن ما تقوم به الوزارة وأن سيحقق تسارعاً بنسب التوظيف لكن لا بد من سد الثغرات التي قد تبقي نسب البطالة مرتفعة من خلال عودة من حصلوا على وظائف لدائرة الباحثين عن عمل من جديد وسيضيفون بذلك عبئاً مستمراً على جهود السعودة وقد نفهم أن الوزارة تعالج بالفترة القصيرة الحالية تقليص نسب طالبي العمل للاستعداد لاستقبال من يدخلون السوق سنوياً خصوصا أن الفترة الحالية والقادمة ستكون أكثر تحدياً لجهود الوزارة فنوعية طالبي العمل ستختلف بنسبة كبيرة من محدودي القدرات بالفترة الماضية إلى مؤهلين جامعيين وبالتالي يصبح توفير الوظائف الملائمة أكثر صعوبة فلا يمكن عرض وظائف على جامعيين سواء المتخرجين محلياً أو عبر برنامج الابتعاث الحكومي إلا بمستوى مناسب معنوياً ومادياً وهذا يتطلب إحصاء دقيقا لمختلف المهن المشغولة حالياً بالقطاع الخاص من الوافدين لحصر المناسب منها للجامعيين أو المؤهلين بصفة عامة وكذلك القيام باحصاء لشهادات المواطنين لمعرفة المهن التي من الممكن أن يسدوا بتخصصهم احتياجات السوق الحالية والمستقبلية.

لكن السؤال المطروح في ظل كل هذه الجهود هل وضعت هذه البرامج من خلال فلسفة تأخذ بالمقام الأول مدى تحقيق أجواء جاذبة للعمل بالقطاع الخاص من قبل الشباب والشابات للحاضر والمستقبل فبالتأكيد يوجد جزء من طالبي العمل بمن فيهم من انضموا لبرنامج حافز لا توجد لديهم الرغبة بالعمل بالقطاع الخاص ولا يرون فيه ضمانات مستقبلية كافية ولذلك لابد من استكمال الجوانب التي تغير من هذه النظرة بفحص الانظمة التي تطبق الآن إذا ما كانت تحقق الجاذبية المطلوبة بالإضافة إلى الأمان المستقبلي من خلال إعادة بنظام التامينات الاجتماعية والوقوف على كل ما يعد عائقاً امام استقطاب الشباب للعمل بالقطاع الخاص فعلى سبيل المثال يعد بقاء الحد الأدنى للاشتراك عند 1500 ريال عاملاً سلبياً بأثره على السعودة والمؤسسة نفسها التي بحسب تصريح معالي المحافظ أن عدد المسجلين لديهم بهذا الحد الادنى يبلغ 39% من العدد الكلي الذي يتجاوز مليون مشترك وهذا رقم كبير علما بأن جزء منهم رواتبهم أعلى لكن وجود هذا الحد المتدني يعطي الخيار لبعض المنشات الخاصة بتسجيل منسوبيها بهذا الحد لتقليص حجم مدفوعاتها للمؤسسة ولكن المتضرر هو الموظف ولعل ما تمخض عنه الاتفاق حول رواتب المدرسين بالقطاع الأهلي والذي كان محور الخلاف فيه هو الراتب المسجل باشتراكات التامينات العامل المؤخر لتنفيذه إلى أن تم التوصل إلى تسجيل المدارس لرواتب المدرسين السعوديين بالحد الأدنى أو يترك الاتفاق بينها وبينها المدرسين لأي رقم أعلى ومثل هذا الحد المتدني يعطي انطباعا بعدم جدوى الاستمرار بالعمل بالقطاع الخاص لأي شاب وشابة إذ إن الأمان التقاعدي بدخل جيد يصبح هاجساً وبذلك لابد من إعادة النظر به ورفعه لمستوى أعلى بكثير سيسهم بجذب الشباب لسوق العمل الخاص ويحد من السعودة الوهمية.

كما أن تغيير نظام التقاعد المبكر بوضعه على مبدأ شرائح تبدأ من عدد سنوات أقل مما هو قائم الآن عند خمسة وعشرين عاما فعليا سيسهم بجذب أعداد أكبر للقطاع الخاص وسيفتح فرص عمل أكثر للشباب من خلال خروج عدد من العاملين حالياً عند رغبتهم بالتقاعد عند مستويات خدمة خمسة عشر عاما أو عشرين عام مع تعديلات بهيكل الرواتب وإدخال أعداد أكبر من المشتركين يسمح بزيادة إيرادات المؤسسة وتطوير منظموتها الاستثمارية بفتح أي خيارات تساعدها على رفع مواردها مع النظر أيضا بأنظمة أخرى غير ما ذكر سيكون لتعديلها أثرا إيجابيا بتوسيع الجاذبية للعمل بالقطاعات التي تنضوي تحت مظلة التأمينات الاجتماعية.

ويبقى لتطوير الموؤسسة العامة للتعليم الفني الدور المكمل برفع الجاذبية للعمل بالقطاع الخاص من خلال الاتجاه للتدريب على المهن التي يحتاجها الاقتصاد بالمرحلة الحالية والقادمة إذ إن وصول عدد طلاب المرحلة الثانوية لثلاثمائة ألف سنويا لا بد أن ينظر له من زواية استيعاب هؤلاء الشباب بتخصصات مهنية أكثر من الجامعية وحتى تحقق المؤسسة أهدافها الداعمة لسوق العمل لابد من تعديل تخصصاتها للأكثر أهمية وإغراء للشباب بجنسيهم من خلال التركيز على تخصصات تقنية وتكنولوجية وإدارية مهنية فالتحولات السريعة للاعتماد على التكنولوجيا بالقطاع العام والخاص يتطلب توفير أعداد كبيرة تخدم هذا التطور النوعي بسوق العمل ومثل هذه التخصصات تعد مغرية للشباب لأن آفاق عملها وحتى الاستمرار بالدراسة واسعة والطموحات فيها كبيرة ولابد أيضا لتحقيق رفع نسب المتعلمين مهنيا أن يتم ربط القبول ما بعد الثانوية بين الجامعات وتلك الكليات والمعاهد المهنية بجذب من هم أقل من نسب معينة بدرجات الثانوية العامة لها لا أن يكون الأمر اختياريا وينصب جهد الجميع على القبول الجامعي والذي سيعمق من البطالة مستقبلا لأن المنشات لا تحتاج إلى جامعيين بأعداد كبيرة بقدر حاجتها لمهنيين وسيحقق التوجه المهني إلى تعبئة القطاع الخاص بالشباب الذين سياخذون الموقع الأهم باي منشأة وهي المنطقة الوسط من هيكل المنشآت الوظيفي والذي يعد القلب النايض للحفاظ على مكتسبات الاقتصاد الوطني واستمرار تشغيل منشآتها العامة والخاصة بكفاءات وطنية بدلا من الاعتماد على العمالة الوافدة.

الانتقال لسوق عمل جاذب يعد أكثر أهمية من أي إجراءات أو برامج قد تعطي نتائج إيجابية بالمرحلة القصيرة من عمرها فقط دون النظر لعوامل ومتغيرات مستقبلية قد تعيق وتعطل فاعليتها فالانفاق الحكومي الكبير لن يستمر إلى ما لا نهاية وإذا ما تراجع فان اعتماد المنشآت على العمالة الوافدة سيتقلص وستصبح العمالة الوطنية زائدة عن حاجة المنشآت التي رفعت نسبها فقط للحصول على تأشيرات عمالة رخيصة وبالتالي ستضطر لتقليص عدد المواطنين لديها لانتفاء السبب بتوظيفهم ومن ثم نعود للمربع الأول ولو كان ذلك بعد سنوات طويلة قادمة فان النظرة البعيدة ستلغي أو تخفف كثيرا من هذا الاحتمال لأن الخيارات أمام المواطنين بسوق العمل ستكون كثيرة لامتلاكهم المهنة المشبعة بالخبرة وكذلك الأمان المستقبلي بنظام تقاعدي متقدم تستطيع مؤسسة التأمينات تحقيقه من خلال مساعدتها على زيادة إيرادتها وغيرها من الإجراءات الداعمة لجاذبية سوق العمل بالقطاع الخاص.