جدوى فرض رسوم مالية على الأراضي البيضاء

06/11/2012 28
د. فهد الحويماني

ليس المجال هنا لتأييد أو معارضة فرض رسوم على الأراضي البيضاء في المملكة، بقدر ما هو إيضاح لمفهوم فرض الرسوم على الأراضي البيضاء وتأثيرها الاقتصادي على العرض والطلب وعلى أسعار الأراضي، والأهم من ذلك ما إذا كانت هذه الآلية تساعد على تملك الأراضي وبناء المنازل. هنا سأقوم باستعراض بعض المفاهيم الاقتصادية والتجارب الدولية في هذا الشأن من إيجابيات وسلبيات ومناقشة مدى انطباقها على الوضع في المملكة.

عندما أثيرت قضية فرض رسوم على الأراضي الغير مستعملة داخل المدن، كان هناك وجهات نظر كثيرة ومتباينة، منها من قال إن المشتري سيدفع الرسوم، وآخر قال أن من سيدفعها هو البائع،  ومنهم من قال إنها ستؤدي إلى خفض أسعار الأراضي عندما يقوم ملاك الأراضي بالتخلص من أراضيهم، ومنهم من أكد أن لا تأثير لهذه الرسوم إطلاقاً.  أعتقد إن الطريقة الصحيحة لتحليل التأثير المحتمل، يجب أن ينطلق من دراسة الضرائب في نظرية العرض والطلب وكيفية تأثيرها على الأسعار، ومن ثم الاستئناس ببعض التجارب الدولية لمعرفة نتائجها وما إذا كانت تنطبق على وضع الأراضي في المملكة.

من المعروف اقتصادياً إن فرض الرسوم بجميع أشكالها على المنتجات وتقديم الخدمات يخل بالحركة الاقتصادية من خلال رفع الأسعار والحد من مستوى الانتاج، ولا جدال في ذلك حيث إن ذلك مثبت علمياً وعملياً.تـتحدد الأسعار بناء على توازن قوى العرض والطلب لأي منتج، فعندما يكون السعر 100 ريال لمنتج ما، ويباع منه 100 مليون وحدة، فإن ذلك يعني أن قوى العرض والطلب لهذا المنتج تتعادل عند هذا السعر المُـرْضي للبائع والمشتري على حد السواء. وعندما تقوم الحكومة بفرض رسوم على المنتج لسبب ما،ربما للحد من استهلاك المنتج أو لحماية الصناعة المحلية أو لتحقيق إيرادات لصالح الحكومة، أو غير ذلك من الأسباب، فنتيجة هذا التدخل أن يختل سعر التوازن بشكل ما ويظهر سعر جديد وكميات جديدة لمبيعات ذلك المنتج. 

وبغض النظر عمن يقوم بدفع الرسوم، سواء البائع أو المشتري، وبغض النظر عما إذا كان الطلب مرن أم لا، أو ما إذا كان العرض مرن أم لا، فإن المحصلة النهائية ارتفاع السعر مع انخفاض الكمية المعروضة، أو في أفضل الحالات بقائهما كما كانا عليه.  ويعود السبب في ارتفاع السعر إلى حقيقة اقتصادية معروفة منذ زمن آدم سميث وريكاردو وغيرهما منذ نحو مائتين وخمسين عاماً، وهي إن التكلفة الإضافية على سعر المنتج لا بد أن يتقاسمها البائع والمشتري فيما بينهما بنسب معينة حسب مرونة العرض والطلب لكل منهما،في حين تجني الحكومة الرسوم الإضافية كاملة.فكيف يمكن أخذ رسوم إضافية وفي الوقت نفسه تنخفض الأسعار؟ غير ممكن إطلاقا. إن الذي يحدث في أفضل الحالات، والتي تكون عندما يكون العرض غير مرن بتاتاً،أي عندما يكون منحنى العرض خطاً عمودياً في مخطط العرض والطلب، هو أن يدفع المشتري السعر ذاته الذي كان يدفعه سابقاً، بينما يقوم البائع بدفع الرسوم المقرة كاملة.  وفي معظم الحالات يتقاسم الإثنان مبلغ الرسوم، فيدفع المشتري سعر أعلى من ذي قبل، ويتحصل البائع على ثمن أقل من ذي قبل، فيكون كل من البائع والمشتري خاسر جراء هذه العملية، ويقال إن هناك أثراً سلبياً على الاقتصاد، يسمى خسارة الكتلة الميتة.  

بيد أن هذه النتيجة تتغير عندما تكون السوق في حالة عدم إتزان، وهو الحاصل حالياً في المملكة، حيث إن أسعار الأراضي أعلى مما يستطيع دفعه المشترون،حيث أن لدينا فائض في العرض من المفترض ألا يستمر طويلاً حتى يصحح نفسه. في هذه الحالة، إن أي تأثير سلبي على البائعين سيساعد في دفعهم نحو تخفيض الأسعار إلى الحد الذي ينتج عنه إتزان بين العرض والطلب. يخطئ من يعتقد إن الهدف من فرض رسوم على الأراضي هو لزيادة المعروض، لأن المعروض حالياً كثير جداً. جولة سريعة في شمال مدينة الرياض، على سبيل المثال، ستبين إن هناك حالياً مخططات بعشرات الكيلومترات المربعة مطورة بشكل كامل وجاهزة للاستعمال، ولكن أسعارها أعلى من إمكانيات المشترين.  إذاً في هذا الوضع الذي نحن فيه، من غير الواضح أن يكون لفرض الرسوم دور إيجابي في تحريك السوق، خصوصاً على المدى القصير. 

إن الدول التي طبقت رسوم على الأراضي، ومنها تايوان وروسيا وهونج كونج وولاية بنسلفانيا في أمريكا، أو تلك التي تدرس حالياً تطبيق الرسوم على الأراضي، ومنها إيرلندا وإنجلترا، تقوم بذلك لتحقيق أهداف معينة، منها إن هذه طريقة لجلب موارد مالية لصالح الحكومة في المقام الأول، وذلك لاستخدامها في التعليم وفي مشاريع تنموية معينة، وثانياً لمنع الاستحواذ على الأراضي بهدف المضاربة، ومنع التوسع العشوائي خارج المدن. وفي جميع هذه الدول، تفرض الرسوم على جميع أنواع الأراضي داخل النطاق العمراني، سواء كانت مستخدمة أم لا، حيث أنها تستخدم كبديل لضرائب أخرى تفرض على العقارات بشتى أنواعها. والفكرة هنا هو إن فرض الرسوم على جميع الأراضي من شأنه أن يدفع ملاك الأراضي لاستخدامها،كونهم سيدفعون الضريبة بأي حال من الأحوال، فيكون من الأولى الاستفادة من الأرض لتعويض ما سيقومون بدفعه. 

شخصياً أعتقد إن فرض الرسوم سيعامل من قبل البائعين وكأنه خفض اضطراري للإيرادات  المتوقعة من بيع ممتلكاتهم سيقبلون به كإجراء حكومي لا مفر منه، وسيقبلون بدخل أقل من ذي قبل، مع بقاء السعر كما هو عليه على المشتري، ربما لفترة غير قصيرة. كما إن من سيقوم بالبيع سيوجه ما يتحصل عليه من سيولة إلى عقارات أخرى ليس عليها رسوم، مثل المباني السكنية والتجارية، مما قد يرفع أسعار الممتلكات الغير خاضعة للرسوم.  كما يمكن أن تتوجه سيولة البائعين إلى المخططات الجاهزة بحكم أنها لن تبقى خالية لمدة طويلة، بالشكل الذي يجعلهم يتحملون أي رسوم إن وجدت لعام أو عامين قبل أن يبيعوها. وهذه نقطة جديرة بالاهتمام، حيث إن فرض الرسوم قد يخفض الأسعار في أماكن ويرفعها في أماكن أخرى. فلو كانت هناك رغبة في تطبيق فكرة فرض الرسوم، فلا بد من تجربتها في مدينة معينة أو في نطاق عمراني معين ومن ثم تقييم التجربة بعد عامين أو ثلاثة أعوام لمعرفة نتائجها وآثارها الجانبية.