يحتل معدل استهلاك الفرد السعودي البالغ للحوم البيضاء المرتبة الثالثة بين شعوب العالم في معدل الاستهلاك العالمي بواقع 40 كيلوجراماً في السنة.
في الأسواق المحلية والعالمية، يشكل مبدأ التوازن بين العرض والطلب الأثر الأكبر في تنظيم أسعار السلع والخدمات. لتحقيق هذا التوازن في أسعار الدواجن، تقع المسؤولية المشتركة على عاتق ثلاث وزارات: وزارة الزراعة التي تقوم بتطبيق الأنظمة المحلية وتنمية الإنتاج الزراعي والدفاع عن مصالح المنتجين المحليين، وزارة التجارة والصناعة التي تتابع انتظام السوق وتراقبه على مدار الساعة للحد من السياسات المشوهة للتجارة والالتزام بالاتفاقات الدولية لدى تسويق الدواجن، ووزارة المالية التي تحدد الرسوم الجمركية على الواردات المماثلة، من خلال مصلحة الجمارك، وتسعى لتخفيضها؛ لتسهيل دخولها للأسواق المحلية أو زيادتها للحد من منافستها للمنتجات الوطنية.
عند تأثر السوق المحلي من خلل التوازن بين العرض والطلب، تلجأ هذه الوزارات الثلاث في معظم دول العالم لتنفيذ خطة مُحْكَمَة للحد من هذا الخلل. في الدول النامية يقع الاختيار على الخطط الأكثر سهولةً من خلال ضخ المزيد من الدعم لتخفيض التكلفة على المستهلك، بينما تختار الدول المتقدمة الخطط الأكثر فائدةً لاقتصادياتها من خلال تخفيض الرسوم الجمركية على الواردات المماثلة لزيادة توفرها للمستهلك بالأسعار التنافسية.
في المملكة يتم إنتاج الدواجن في أكثر من 1070 مشروعاً يفوق حجم استثماراتها 35 مليار ريال. وفي المملكة يحتل معدل استهلاك الفرد السعودي البالغ للحوم البيضاء المرتبة الثالثة بين شعوب العالم في معدل الاستهلاك العالمي بواقع (40 كيلوجراماً في السنة).
في المملكة تتفاقم مسؤولية الوزارات الثلاث. فبينما يتراجع الإنتاج السعودي بنسب منخفضة غير مسبوقة خلال السنوات الماضية (مسؤولية وزارة الزراعة)، تزداد الصادرات السعودية من الدواجن لدول الجوار (مسؤولية وزارة التجارة والصناعة)، وترتفع الرسوم الجمركية على الواردات المماثلة (مسؤولية وزارة المالية)، مما أدى ذلك إلى تفاقم خلل التوازن بين العرض والطلب في الأسواق المحلية وبالتالي ارتفاع أسعار الدواجن في المملكة.
طبقاً لتقرير وزارة الزراعة السعودية السابع والعشرين الصادر على موقع الوزارة الإلكتروني، تراجع إجمالي إنتاج الدواجن في المملكة في العام الماضي بنسبة تفوق 10% عما كانت عليه قبل 5 سنوات لتصل إلى 444,680,021 دجاجة فقط، بينما ارتفع الطلب على أعلاف الدواجن المركبة خلال نفس الفترة من5,4 ملايين طن إلى 5,7 ملايين طن طبقاً لتقرير صندوق التنمية الصناعية السعودي.
وأضاف التقريرـ الذي نشرت ملخصه جريدة الوطن في عددها الصادر قبل أسبوعين ـ أن نمو الطلب السنوي على الأعلاف المركبة يصل لنحو 5%، مرجحاً ذلك إلى الزيادة المطردة في حجم الثروة الحيوانية في المملكة، واستمرار الدعم الحكومي، المقدم في شكل إعانة، والذي يغطي جزءاً كبيراً من تكلفة المواد الخام المستخدمة في إنتاج الأعلاف المركبة، إضافة إلى الخطط الحكومية الرامية لتحويل مسار الطلب المحلي بعيداً عن الأعلاف المستوردة، على رأسها الشعير، إلى الأعلاف المركبة المنتجة محلياً. وأوضح التقرير أنه استناداً إلى البيانات المتوفرة عن توزيع الثروة الحيوانية في المملكة، فإن الطلب على الأعلاف يتركز في المناطق الوسطى والشرقية والغربية التي تشكل مجتمعة 75% من الطلب بالمملكة، بينما تشكل المنطقة الجنوبية ما نسبته 15%، والشمالية 10%.
الإحصاءات الصادرة عن منظمة الأغذية "الفاو"، أثبتت أن أسعار الدواجن في المملكة كانت إلى زمن قريب من أقل الأسعار على مستوى العالم، فهي أقل بنسبة 7% من مثيلاتها في مصر والسودان و19% في أوروبا و22% في أميركا و31% في آسيا. ويدل ذلك على وجود قطاع سعودي منتج وبتكلفة معقولة، إلى جانب الدعم المالي على الأعلاف وانفتاح السوق السعودي على الواردات من كافة أنحاء العالم، لدرجة أصبحت الشركات الأجنبية تستحوذ على 55% من حصة سوق الدواجن السعودي، و33% من سوق الدواجن الخليجي. ولا غرابة في ذلك، فالسوق الخليجي يتمتع بقدرات استيعابية فائقة، وأسواقه مفتوحة أمام الواردات الأجنبية، إضافة إلى القوة الشرائية المميزة للمستهلكين، حيث ارتفع استهلاك دول الخليج في العام الماضي إلى ما يعادل 6 مليارات دولار أميركي من لحوم الدواجن و5 مليارات من لحوم الأغنام و4 مليارات من لحوم الأبقار.
الأعلاف تعتبر من أهم مدخلات الإنتاج في قطاع الدواجن، وهي الأعلى تكلفة أيضاً، مما يتطلب من الوزارات الثلاث وضع خطط إستراتيجية محكمة لتوفير الأعلاف بانتظام وبكميات تحول دون حدوث أزمات في التوريد نتيجة ارتفاع الأسعار والتغير المناخي في الدول المنتجة. لذا أصبحت المملكة بحاجة ماسة لمخزون إستراتيجي يضمن توفير كميات الأعلاف المناسبة في أوقات الأزمات، ليساعد على وفرتها الدائمة والسيطرة على أسعارها.
كما أن قطاع الدواجن السعودي يواجه منافسة عاتية من الواردات الأجنبية المماثلة، التي تتمثل بالدعم وقيام دولة المنشأ بتقديم مساهمة مالية مباشرة أو غير مباشرة لمنتجاتها وصادراتها الموجهة للسوق السعودي. كما يواجه هذا القطاع زيادة غير مسوغة في الواردات، التي يمارسها الوكلاء المستوردون للمنتجات الأجنبية المماثلة، بحيث يقوم هؤلاء الوكلاء بالتعاون مع الشركات الأجنبية بطرح كميات متزايدة من الدواجن في الأسواق السعودية، وبشكل مطلق مقارنة بالإنتاج المحلي. وتتسبب هذه الممارسات في إلحاق الضرر بالدواجن الوطنية.
لمواجهة ارتفاع أسعار الدواجن في السوق السعودي، لا بد من تضافر جهود الوزارات الثلاث لتحقيق التوازن في العرض والطلب، من خلال إنشاء المخزون الإستراتيجي للأعلاف المركبة (وزارة الزراعة) وتخفيض الرسوم الجمركية (وزارة المالية) على الواردات، وحظر تصديرالدواجن ومعاقبة الممارسات الضارة (وزارة التجارة والصناعة).