هل من معاقبة لمن يتداول بناء على معلومات داخلية؟

24/09/2012 7
د. فهد الحويماني

إن كانت هناك معاقبة لمن يتداول بناء على معلومات داخلية في السوق السعودية فأنا لم أسمع بها، وهي من الجرائم الخطيرة المسكوت عنها على ما يبدو. فبينما تتنوع الحالات التي تقوم فيها هيئة السوق المالية بفرض العقوبات ومحاسبة المقصرين، نجدها شبه معطلة عندما يأتي الأمر إلى التداول المبني على معلومات داخلية. هذا على الرغم من أن نظام السوق المالية شدد على منع هذا النوع من التداول في المادة 50 من النظام، وجعل له عقوبة تصل إلى حد السجن ودفع غرامات باهظة.

حقيقة نحن أمام أمرين لا أرى ثالث لهما، إما إن المسؤولين في الشركات وأعضاء مجالس الإدارات والعاملين في الهيئة و"تداول" على قدر عال جداً من الأمانة والنزاهة وعدم أكل مال الغير بالباطل (وهو ما أتمناه وأدعو الله أن يكون كذلك)، وإما أن الجهة القائمة على السوق لم تأخذ هذا الموضوع بالجدية اللازمة أو أنها غير قادرة على ضبط هذا النوع من الجرائم. أمر عجيب حقاً عندما تطالعنا هيئة السوق المالية بشكل شبه يومي بفرض عقوبات على الشركات المدرجة بسبب عدم الالتزام الحرفي بضوابط حوكمة الشركات وطريقة إعداد التقارير السنوية، بينما لا نسمع أية أخبار عمن يضخم أمواله وأموال معارفه باستخدام قوة المعلومات الواقعة تحت يديه أو الواصلة إلى مسمعيه!

ما سبب تجاهل الجهة القائمة على السوق هذا الموضوع الحساس؟ قد يكون بسبب صعوبة تقصي وملاحقة مثل هذه الجرائم، وهو ليس بعذر بأي حال من الأحوال، بينما من السهل جداً عليها رصد مخالفة على شركة لم تضمّن أسماء أعضاء لجنة الترشيحات في التقرير السنوي! وقد يكون السبب خوفا غير مبرر من الجهة القائمة على السوق من قوة ونفوذ من يمارس مثل هذه العمليات، بينما تجدها سريعة في الضرب بيد من حديد على سيدة تبين للهيئة أنها تشرف على إدارة محافظ زميلات لها، فكان جزاؤها غرامة 50 ألف ريال ومنعها من العمل في هذا المجال لمدة ثلاث سنوات. أمر عجيب حقاً، أن يعاقب شخص بملايين الريالات، كما حدث مرات عدة، لاعتقاد الهيئة أن ما قام به مخالف لضوابط عمل السوق، وأنها تقوم بذلك حماية للمتعاملين، بينما تتجاهل الهيئة أمورا أهم وأكبر من ذلك بكثير، مثل التداول المبني على معلومات داخلية. أمر محير أن تسمح الهيئة لملاك الشركات الخاصة بتواطؤ من مستشاريهم والبنوك المشرفة على طرح شركاتهم بتحديد علاوات الإصدار كيفما يشاؤون وتزييف البيانات المالية، ما يسبب خسائر فادحة للمواطنين ويثري قلة قليلة ثراء فاحشاً، بينما لا نسمع حساً ولا خبراً عمن يمارس جريمة التداول المبني على معلومات داخلية.

مشكلة هذا النوع من التداول المحظور أنه لا يمكن العلم به إن لم يكن هناك بحث وتقص ورصد له. كما إنه من السذاجة بمكان أن ننزه الآخرين ونزكيهم ونحن نعلم أنهم يمتلكون معلومات حساسة ذات ثمن عال جداً. ليس صعباً تخيل ما يمكن عمله بمعلومات مهمة لم تنشر بعد وقعت في يد مسؤول ذمته ضعيفة. فبإمكانه شراء كميات كبيرة من الأسهم قبل نشر الخبر بأيام عدة وبيعها حالما يعلن الخبر، محققاً أرباحاً مضمونة خالية من المخاطرة وبعوائد غير طبيعية. كما يمكنه، إن كان لديه ذرة من خوف من ملاحقة الهيئة له، أن يوصل المعلومة لصديق أو قريب، بثمن أو من دونه، آخذاً ما يقوم به من باب الشهامة أو الفزعة. وللمعلومية فإن النظام يجرم من يقوم بالتداول بمعلومات خاصة سواء كان يعمل في الشركة أو لا، سواءً كان من أقارب أحد المسؤولين أو غريباً عنه، سواءً أخذ المعلومة أو أعطيت له.

قد يسأل سائل عن كيفية رصد واكتشاف هذا النوع من التداول الممنوع، وقد يعتقد أنه شبه مستحيل السيطرة عليه. والواقع أن هذه الجريمة تعد من أصعب الجرائم المالية في الرصد والمتابعة والإثبات والإدانة، لكنها تؤخذ بشكل جدي في دول كثيرة، ودوماً تعلن الحالات المخالفة للتذكير بخطورتها ومن أجل أن يُعرف أن هناك من يراقب ويتابع. فالخوف كل الخوف هو أن جمود الهيئة هذا قد يؤخذ من باب عدم الاهتمام أوعدم القدرة، ما قد يفاقم من حدة هذا النوع من الجرائم. فمن الطرق المتبعة في السيطرة على هذه الجريمة، متابعة تداول الأشخاص المعنيين قبل ظهور أي خبر جوهري وبعده يتبين أثره في حركة السهم. وعند الشك في إحدى الحالات فيحق للجهة القائمة على السوق رصد مكالمات الشخص أثناء الفترة المشبوهة، وكذلك رسائله الهاتفية والإلكترونية، وتحليل تداولات من اجتمع بهم أو حادثهم أثناء الفترة المشبوهة. كما إن إعلان الحالات المدانة مع شدة العقوبة وإبراز دور الجهة القائمة بشكل مستمر من شأنه أن يزرع الخوف في قلوب من تقع بين يديه معلومات مهمة لم تعلن لعامة الناس بعد.