بعد إقرار مجلس الأمة لقانون هيئة سوق المال في مداولته الأولى، ينتظر الشارع المالي والاقتصادي في البلاد التصويت على القانون في مداولته الثانية بعد إدخال بعض التعديلات على القانون، والتي تقدمت أو ستتقدم بها الحكومة وبعض النواب. ومن المتوقع تحديد جلسة للمداولة الثانية خلال الأسبوع المقبل. ومن أبرز النقاط إثارة للجدل أو القابلة للتعديل موضوع تبعية الهيئة.. هل ستكون لرئاسة الوزراء أم لوزير التجارة؟ ماذا يقول القانون قبل التعديل؟ أولا، ماذا في القانون الذي على طاولة لجنة مجلس الأمة للشؤون المالية والاقتصادية، والقابل للتعديل؟ تنص المادة 6 في قانون إنشاء هيئة أسواق المال على ما يلي: «يتولى إدارة الهيئة مجلس يسمى مجلس مفوضي هيئة أسواق المال، يتكون من خمسة مفوضين متفرغين، يصدر بتسميتهم مرسوم بناء على ترشيح رئيس مجلس الوزراء. ويحدد المرسوم من بين الأعضاء رئيسا ونائبا للرئيس».
وتفيد المادة 18 بأن «يكون للهيئة ميزانية مستقلة تعد وفقا للقواعد التي تحددها اللائحة التنفيذية». أما المادة 25 فتنص على: «تقدم الهيئة لرئيس مجلس الوزراء خلال 120 يوما من نهاية كل سنة مالية تقريرا سنويا حول أنشطتها وأعمالها خلال السنة المنقضية على أن يشتمل حسابات الهيئة وتقرير مراقب الحسابات». إذن، حسب القانون الذي أقر في المداولة الأولى، تكون الهيئة مستقلة غير تابعة لأي وزارة ويتم تعيين مفوضيها الخمسة من قبل رئيس السلطة التنفيذية. لكن ما التعديلات المقترحة في هذا الشأن؟ رفض بعض النواب أن تكون الهيئة ملحقة برئاسة الوزراء على أساس أن هناك شبهة دستورية في هذا المجال.
وحسب هؤلاء، إن قانون الهيئة لا يتفق مع المادة 102 من الدستور التي تفيد بأن «رئيس مجلس الوزراء لا يتولى أي وزارة». لكن نوابا آخرين يعتبرون أن لا شبهة دستورية في ذلك، لأن الهيئة في القانون هي مستقلة وليست تابعة لرئاسة الوزراء. فرئيس الحكومة يعيّن فقط المفوضين بمرسوم، وهم يقدمون تقاريرهم له على أساس أنه رأس السلطة التنفيذية. ويشدد هؤلاء على أن المسؤولية السياسية يجب أن تكون على رئيس الحكومة لا على وزير التجارة أو غيره من الوزارات.
ويمكن محاسبة رئيس الوزراء على ذلك أيضا. ما المعمول به عالميا؟ لكن ما المعمول به عالميا في هذا المجال؟ تُلحق هيئات أسواق المال في كل من الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة، على سبيل المثال لا الحصر، بأعلى سلطة في البلاد. فمثلا يعيّن الرئيس الأميركي المفوضين الخمسة في هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية على ألا يكون أكثر من ثلاثة مفوضين من الحزب الحاكم (مناصرين غير حزبيين). ثم يختار من بينهم رئيسا.
ويتم طرح الأسماء أمام الكونغرس للموافقة عليها. وكذا يحصل في بريطانيا. وتقدم الهيئتان الأميركية والبريطانية التقارير مباشرة لرئيس الدولة أو لرئيس الوزراء. وتكون ميزانياتها مستقلة وصلاحياتها التشريعية مطلقة. ووضع الهيئة في سنغافورة وماليزيا مشابه. إذ أن المبدأ يشير إلى أن الهيئة المستقلة تستمد صلاحياتها من أعلى سلطة في البلاد. وإذا نظرنا إلى قوانين هيئات أسواق المال في المنطقة، نجد أن القانون السعودي شبيه بالقانونين الأميركي والبريطاني.
فالهيئة حكومية ذات استقلال مالي وإداري وترتبط مباشرة برئيس مجلس الوزراء. ويدير الهيئة مجلس يتكون من خمسة أعضاء متفرغين يتم تعيينهم بأمر ملكي. بيد أن الهيئة في دولة الإمارات العربية المتحدة، فتلحق الهيئة بوزير الاقتصاد ومقرها الرئيسي في إمارة أبوظبي. لكنها تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري وتتمتع بكل الصلاحيات الرقابية والإشرافية والتنفيذية اللازمة لممارسة مهامها وفقاً لأحكام القانون. التبعية تلغي الاستقلالية وفي السياق نفسه، تشير أوساط اقتصادية في البلاد إلى أن هيئة السوق حتى تحافظ على استقلاليتها عليها أن تستمد صلاحياتها من رئاسة الوزراء، لا من وزير التجارة.
وتحذر هذه الأوساط بشدة من أن «تتبع» الهيئة للوزارة، أي أن يكون الوزير هو رئيس الهيئة. فمن أين ستأتي باستقلاليتها؟ وكيف ستحظى بصلاحيات تشريعية؟ وما الفرق سيكون حينها عن لجنة السوق القائمة حاليا؟ تجيب الأوساط الاقتصادية نفسها أن رئيس الهيئة يجب أن يستقر في منصبه لمدة خمس سنوات حتى يستطيع متابعة عمله الرقابي بشكل دقيق، أما الوزير فكرسيه متحرك وغير مضمون المدة. كما أن خبرة الهيئة العامة للصناعة التي يرأسها الوزير لا تبشر بالخير. ف
كيف إذا كانت هيئة سوق المال تابعة لـ»التجارة»، فعلى الاستقلالية والرقابة السلام. فوزارة التجارة تنوء تحت مسؤوليات عدة ابرزها حماية المستهلك والشركات والتراخيص وتنظيم العقار وبطاقات التموين وغيرها. وفي حين تعترض الأوساط على أن تكون الهيئة «تابعة» للوزارة، لا تمانع من أن تكون «ملحقة»، كما هو حاصل في الإمارات. وتماما كما هي العلاقة بين وزارة المالية والبنك المركزي. فالاثنان يهتمان بمالية الدولة، لكن لكل صلاحياته واستقلاليته. ومن يحاسب «المركزي» هو أعلى سلطة في البلاد، في حين أن وزير المالية يحاسبه مجلس الأمة.
فهل يكون قانون الهيئة الجديد نقلة نوعية في حياة أسواق المال في البلاد، أم يعكس وجها آخر من البيروقراطية والواسطة والمحسوبية وضعف الرقابة وغياب العقوبات؟ حبذا لو تكون الخطوة فعلا نحو بناء مركز مالي تجاري.