قبل فترة كنت أقدّم المشورة لمستثمر عن التوزيع الأمثل لاستثماراته. ولدى الانتهاء من الاستشارة نظر إليّ وكلّه حرقة قائلاً: «ودّي أسمع كلامك، بس أنا (متعلق) بسوق الأسهم.» فسألته عن ذلك فقال لي إنه صب كل مدخراته في سهم شركة ما (فلنسمها شركة «ربح وفلّة») ولكن سعرها انخفض انخفاضاً شديداً مما جعل مدخراته تفقد 60 في المائة من قيمتها. ولذا فهو لا يرغب في البيع على أمل أن يرتد السهم و يعوض بعضاً من خسارته، بدلاً من أن يبيع الآن لتصبح خسارته محققة.
أعزائي القراء، هل واجهتكم مشكلة مماثلة لما يمرّ به المستثمر أعلاه؟ فإن كنتم كذلك فقد وقعتم في خطأين متكررين يقع فيهما بنو البشر، وويتطرق لهما علم الاقتصاد السلوكي، وهما:
أولاً: لا يوجد فرق بين الأرباح والخسائر غير المحققة وتلك المحققة إلا في ذهنك. ولنا أن نوضح ذلك بمثال: تصور أنك اشتريت تذكرة بـ 100 ريال لمشاهدة برنامج ما، ولكن في طريقك لمكان البرنامج اكتشفت أنك أضعت التذكرة، فهل أنت مستعد لشراء تذكرة أخرى في سبيل حضور البرنامج؟ بناء على الأبحاث الميدانية المستفيضة التي أجراها علماء الاقتصاد السلوكي فالكثير من الناس يجيبون بالنفي، فهم يرون أنهم غير مستعدين للدفع مرتين من أجل حضور البرنامج. ولكن تصور معي حالة مختلفة، وهي أنك لم تشتر التذكرة ولكن لدى وصولك لشباك التذاكر اكتشفت أن 100 ريال مفقودة من محفظتك، فهل سيؤثر ذلك في قرارك لشراء التذاكر وحضور البرنامج؟ الغريب أن الاستبيانات توضح أن أغلبية الناس أقل تأثراً بالحالة التالية وبالتالي أكثر استعداداً لشراء التذكرة وحضور البرنامج. وبالرغم من أن الخسارة 100 ريال في كلتا الحالتين، إلا أن ردة فعل معظم الناس تختلف بينهما. وهذا ما يطلق عليه علماء الاقتصاد السلوكي «المحاسبة الذهنية»، وهو الخطأ الدارج عند معظم بني البشر بتأطير المعلومة المالية بطريقة مختلفة بحسب الظروف المحيطة بها، ما يؤدي لأن يعطيها قيمة مختلفة باختلاف تلك الظروف.
وتطرقت لمفهوم المحاسبة الذهنية في مقال سابق (المعنوَن «من وحي الاقتصاد السلوكي: احذر المحاسبة الذهنية»، والمنشور في هذه الصحيفة بتاريخ 25 تشرين الأول (أكتوبر) 2009. فكما أن خسارتك للـ 100 ريال هي نفسها سواء تحققت بفقدان التذكرة أو بفقدان المبلغ النقدي، فكذلك خسارتك الاستثمارية واحدة سواء كانت محققة أو غير محققة، لأن الحساب واحد في كلتا الحالتين، ولكن المحاسبة الذهنية تجلك أكثر استعداداً للحفاظ على استثمار خاسر على أمل (تعويض الخسارة)، من الاعتراف بالخسارة وإعادة توظيفها في مجال آخر. ومن هذا المنطلق تجد الكثيرين يقولون: «أنا عندي 100,000 ريال مستثمرة في السوق ولكني خسران 50 في المائة». فالواقع أن ما عندك اليوم هو 50,000 ريال فقط (بغض النظر عن كم كانت في الماضي)، لأن الارتباط بالماضي ربحاً أو خسارة يفتح المجال للحسرة التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
ثانياً: بالرغم أن الاستثمار ينبغي أن يكون أمراً موضوعياً ومجرداً، إلا أن ارتباط الناس بالاستثمار يختلف بحسب ما إذا كانوا مستثمرين فيه أو لا. والذي أقصده بهذا أنك تجد عديداً من الأشخاص متشبثين باستثماراتهم الخاسرة وآملين بارتدادها، ولكن هؤلاء الأشخاص لم يكونوا ليدخلوا في تلك الاستثمارات اليوم لو لم يكونوا قد استثمروا (وتعلّقوا) فيها من قبل. فبالرغم من أن نظرتنا لاستثمار معين ومدى جدواه ينبغي ألا تتأثر بكوننا مستثمرين فيه سابقاً، إلا أن امتلاكنا استثماراً معيناً كثيراً ما يؤثر في نظرتنا له، بحيث يقل منظورنا الموضوعي المتجرد ويزداد منظورنا الحالم أو العاطفي.
لذا فإن الشخص المستثمر والخسران في استثمار ما كثيراً ما يميل للاحتفاظ باستثماره الخاسر خوفاً من تحقيق الخسارة (التي ليس لها أثر مالي أو حسابي فعلي) وأملاً بالتعويض، كما أنه كثيراً ما يسيء تقدير مستقبل استثماره فيكون أكثر تفاؤلاً وأقل واقعية مما تقتضيه الموضوعية المجردة، الأمر الذي قد يؤدي لأن يظل معلقاً في استثماره في انتظار الفرج، بينما تفوت عليه فرص أخرى لتعويض الخسارة أو تحقيق الربح في مجال أو استثمار آخر.
ومن هذا الشرح الموجز لنا التوصيات التالية لكم أعزائي القراء لاجتناب الخطأين الواردين أعلاه:
ـ ركّز على قيمة استثماراتك اليوم ولا تلتفت لقيمتها في الماضي، فالقرار الاستثماري الصحيح لا ينبغي أن يتأثر بمقدار ربحك أو خسارتك في الماضي، لذا لا تجعل أرباحك أو خسائرك هي التي تحدد توجهاتك الاستثمارية.
ـ اتخذ قراراتك بالبيع والشراء بناء على المستوى السعري لاستثمارك مقارنة بما ترى أنه السعر العادل له. فإذا كان سعره اليوم أقل مما ترى أنه سعره العادل فاستثمر فيه، وإذا كان سعره أعلى مما ترى أنه سعره العادل فاخرج منه. ولا تتخذ قرارات البيع والشراء بالنظر إلى قدر الربح والخسارة الذي حققته من استثمارك، لأن استثمارك لا يعي كم ربحت أو خسرت من ورائه.
ـ للتأكد من تجنبك الخطأ الثاني الوارد أعلاه، إذا خسرت في أي استثمار ورغبت في البقاء متمسكاً به فعليك الالتزام بمضاعفة المبلغ المستثمر فيه. لأنك لو كنت مقتنعاً بالفعل أن الاستثمار مجد فمن الأجدر بك أن تستثمر المزيد فيه بما أن سعره انخفض، أما إذا وجدت أنك ترغب في المحافظة على استثمارك ولكنك متردّد في استثمار المزيد فيه فلعل ذلك دليل على أن قرارك للاحتفاظ بالاستثمار ليس قراراً موضوعياً مُجَرّداً إنما قرار عاطفي بدافع ارتباطك المسبق بالاستثمار ما يجعلك أكثر تفاؤلاً، هذا الدليل قد يعطيك الشجاعة الكافيك للخروج من استثمارك غير المجدي والبحث عن بدائل أخرى.
اتعجب من هذا الكلام الذي اقرؤه ووالوضح انك تعمل في مجال الاستشاره ، يبدو ان كاتب المقال هو من يحتاج الى استشاره ، اولا لا ارى علاقه بين الاستثمار في الاسهم وقصة التذاكر التي اوردها ، ولكن اعتقد انه يتمتع بخبرة في مجال قصصي اكثر من خبره في سوق الاسهم وذلك بسبب ان فقدان المائة ريال او التذكره كلاهما واحد ، اما شراء اسهم وانخفاض قيمتها لا يعني ضياع رأس المال . ثانيا : كيف يمكنني كما يقول الكاتب ان اتجاهل مبلغ الشراء والتفت فقط لسعر السوق الحالي ، هل نحذف كلمة رأس المال من القاموس المالي ، وحتى ان انخفضت قيمة الاستثمارات يبقى رأس المال الخط الفاصل والمحدد للتقييم ولادارة الاستثمار . ثالثا : ربما احدهم رأي ان قيمة سابك العادلة ب 70 ريال وقام بشراءها وهبط بعد ذلك السهم الى 40 كما حدث ، هل يعني ذلك انه خسر الفرق فعليا الـ 30 ريال ، لا اعتقد كذلك لان الخساره لم تسجل الا ورقيا ، والان لنفترض ان المستثمر احتفظ بسهمه فسيتحول من خسارة الى ربح 20 ريال . من المستحيل ان اقيم الاسهم بناءا على قيمتها الحالية واتجاهل راس المال والقيم العادلة . رابعا : من الاخطاء الشنيعة ان يقوم مستثمر بدخول سهم على سبيل المثال الباحة ، وينخفض السهم عن قيمة الشراء ، ثم يقول المستثمر ساقوم بتزويد الكمية في السهم ، فهذه سياسة خاطئة في الادارة المالية ان يقوم المستثمر باعادة الاستثمار في سهم خاسر ، وربما يراها البعض تعديل متوسط وهذا خطأ ، ولكن الصواب ان يتوجه بالسيولة النقدية الى سهم اخر يحقق ربحية . وبذلك يحقق الربحية والتنويع بدلا من التركيز على سهم خاسر حتى وان كان المستثمر مقتنعا فيه لان غالبا العاطفه تتحكم في قراره الاستثماري . خامسا : هناك مغالطات كثيرة في الموضوع وعزائي الى كل المسثمرين الذين يتوجهون الى كاتب ربح وفلة لاخذ استشاراتهم المالية منه . واعتذر للقراء على طول التعليق .
الأخ صاحب الرد الأول, السلام عليكم, في البداية أسمح لي أن أقول لك إن تعليقك فيه إنتقاص من الكاتب وهذا لايليق. ما قاله الكاتب صحيح ولكن الواضح انك لم تفهم ما يعني. بإختصار الكاتب يقول: عندما تخسر جزء من رأس المال في سهم معين فلا تقف مكتوف الإيدي وتنتظرالأمل أن يعيد إليك الخسارة, بل قم بإعادة ترتيب أوراقك وأبحث عن السعر العادل للسهم, فإذا أكتشفت أن قيمة السهم أقل من سعره العادل فقم بزيادة الأستثمار فيه لأنك على معرفه بأنه يساوي أكثر من هذا القيمة, وبالتأكيد سوف يعوض خسارتك أن شاء الله, وعلى العكس إذا أكتشفت بأن قيمة السهم غير عادلة فتخلص منه فليس هناك جدوى من التعلق في سهم خاسر لا تعلم مصيره وقد يكبدك خسائر أكبر!