لي كثير من الأصدقاء العاملين في القطاع الخاص، وكثير منهم رجال أعمال ناجحون، بعضهم عصامي، أسس نفسه بنفسه، وآخرون ورثوا من الجيل المؤسس، ولكنهم نجحوا في تطوير أعمالهم أكثر وأكثر. ولكن الملاحظ على كثير من أولئك، هو انهماكهم بالعمل إلى حد أنهم ينسون أنفسهم، ويفقدون معنى وقت المتعة، والراحة، وفي كثير من الأحيان تصبح علاقتهم بأهلهم هي علاقة مادية صرفة، يخيل لكثير منهم، أن إفاضتهم في توفير الأموال للزوجة والأولاد، هي تعويض كاف لتجاهلهم، أو في حالات هي الثمن لكي يترك لشأنه يسافر كما يشاء، ويعمل ما يشاء. بل إن كثيراً منهم لا يستوعب مفهوم الإجازة، وبالتأكيد أن كثيراً منهم لا يقبلون مبدأ التقاعد، أو تخفيف وتيرة العمل، لصالح الجيل التالي، وهناك قصص محزنة حول رجال أعمال توفاهم الله، ولم ينظّموا أعمالهم لمرحلة ما بعدهم، وفي حالات أخرى أوكلت أمور العائلة إلى الابن الأكبر، وقام بالاستيلاء على مقدرات العائلة، لمجرد أن لديه وكالة عامة، وشاملة.
إننا نتحدث عن ظواهر عامة، وليست حالات فردية، وكلها تدلل على أننا كقطاع أعمال لا نؤمن بضرورة الانتقال السلمي، والتدريجي ، والصلاحيات، من جيل لآخر. ولا نقبل فكرة التقاعد المبكر، بحيث يتاح للجيل المؤسس، أن يسلم الصلاحية إلى الجيل التالي تحت عينه، ونظره، بحيث يمكن للجيل المؤسس أن يعدل المسار، وهو مازال قادراً على ذلك، وقبل فوات الأوان، وبدء معركة التوريث بين الورثة.
باختصار نحن نبدو طمّاعين، وغير معترفين بعوامل الوقت، والسن، وفي ذات الوقت نجزع ، فعندما نخاطر في سوق الأسهم مثلا ونخسر، فإننا نعتبر ذلك مؤامرة من أحد، ونتساءل لماذا نحن نخسر؟! ولكل أولئك اللاهثين وراء الدرهم، والدينار (أو الريال، والدولار)، أود أن أهديهم قصة حقيقية معبرة، تنم عن القناعة، والقبول بالقضاء، والقدر.
آرثر آش لاعب تنس أمريكي، وهو أول رجل أسود يفوز بأعلى جائزة في مجال التنس، وهي جائزة ويمبلدون، وكان ذلك في عام 1975، وفي عام 1992، احتاج أن يجري عملية جراحية، ونقل له دم، تبين أنه ملوث بمرض الإيدز، ولم يكن علاج ذلك المرض قد طّور كما هو اليوم، بحيث يمكن إطالة عمر المريض بإعطائه علاجات مقاومة، وقبل وفاته سأله أحد الصحفيين: عندما تخلو مع نفسك، هل تسأل الله، لماذا أنا تحدث لي هذه الغلطة الطبية، وأواجه الموت اليوم؟ وإليكم إجابته العظيمة: قال السيد آش: يوجد حول العالم (50) مليون شخص يلعبون لعبة التنس، و(5) ملايين منهم يأملون الدخول في مسابقات، ولكن (50) ألفا منهم يدخلون مسابقات عالمية، تحضّر بعضهم للمنافسة العالمية، وفقط شخص واحد يكسب جائزة ويمبلدون، وعندما كسبت تلك الجائزة، لم أتوقف، وأسأل ربي: لماذا أنا فقط من فاز بالجائزة؟ ولذلك من غير المقبول أن أسأل ربي اليوم، لماذا أنا؟!
أكثر من رائع