أصدرت الجامعة العربية تقريراً تناول التنمية والوضع الاقتصادي في العالم العربي، مظهراً الأوضاع الصعبة التي يعاني منها واقع الاقتصاد العربي من حيث أعداد البطالة الكبيرة التي تقدر بعشرات الملايين، والضعف في حجم الاستثمار في الدول العربية قياساً بغيرها من مناطق العالم، بل إن دولا أوروبية صغيرة تتفوق علينا بحجم الأموال التي تتدفق عليها وناتجها الوطني كإسبانيا التي تتفوق على الدول العربية مجتمعة بخلاف نمور آسيا، وأبان التقرير حالة الضعف في مستوى التعليم ونسبة مرتفعة من الأميين ومشكلات في جوانب صحية وبيئية وتعليمية تنعكس سلباً على المجتمع العربي.
وبقدر ما يظهر هذا الوضع المتردي جليا على واقعنا العربي دون الحاجة لهذا التقرير، إلا أنه شكل نقطة مهمة خصوصا أن العالم يعيش أصعب أوقاته الاقتصادية التي انعكست بدورها علينا وإن كان بنسب متفاوتة من حيث التأثير، لكنه كان مكاشفة ممتازة في وقتها حتى تشكل نقطة توقف للعرب لكي يعيدوا صياغة واقع اقتصادي جديد ينطلق من إمكانات كبيرة، فهناك أكثر من 300 مليون نسمة يعيشون على أكثر من 14 مليون كم هي مساحة الوطن العربي.
فالاقتصاد القوي أحد أهم الأسلحة التي تستطيع أن تجابه بها العالم وتضع لنفسك مكاناً فيه، أما ونحن نسير خلف المثاليات والشعارات الرنانة التي أفل بريقها منذ أكثر من عقد ولم تعد تشكل أكثر من كلمات يملأ بها فراغ الورق الذي تكتب عليه، فاليوم اصبح العالم قرية صغيرة بفضل وسائل الاتصال ولم يعد هناك شيء يمكن إخفاؤه، وأصبحت المقارنة مع الخارج تبدأ من الفرد الذي يرى كل شيء اليوم من منزله عبر الفضائيات والإنترنت.
ولذلك انسلخ مفهوم المثالية من عقل المواطن العربي الذي طالما عبرت عنه بيانات الجامعة العربية على مر العقود الماضية، فالسوق العربية المشتركة أحدثت عام 1964م ولم تر النور إلى الآن والكثير من الاتحادات المالية وغيرها في مجال الاقتصاد مضى عليها عقود دون أن ينفض الغبار عنها.
لنفاجأ اليوم بأن كل ما حكي عنه في مجال الاقتصاد لم يكن أكثر من حبر على ورق وفكرة التكامل الاقتصادي بقيت تحت أحلام المثالية التي عطلتنا كثيرا ونحن نحاول تكريسها لكن كشعار فقط، على الرغم من أنها هدف مشروع لكنه لم يتحقق إلا في جمهورية أفلاطون، والشعوب تسعى للمثالية لكن خطوة خطوة أما نحن فنريدها وصفة جاهزة دون أن نعير لأساسيات الوصول لها أي اعتبار.
يذكرنا تقرير الجامعة الأخيرة بمقولة للأمين العام السابق لها الشاذلي القليبي حيث قال في مؤتمر اقتصادي عربي: «التنمية العربية عرجاء» معزياً ذلك إلى التقليد والتبعية للاقتصاديات المتطورة وإن كان هذا الكلام قبل قرابة عشرين عاما أو أكثر لكنه ما زال واقعاً موجوداً، فما يأمله كل عربي أن تتحرك الدول العربية للارتقاء باقتصادياتها من خلال تغيير قوانينها المنظمة للاقتصاد وجذب الاستثمارات والانفتاح على العالم ومنح مزيد من حرية التحرك لرؤوس الأموال خصوصا العربية والتركيز على مقومات الاقتصاد لكل دولة حتى يأتي التكامل تلقائيا وليس اصطناعيا، ففرصة العرب اليوم كبيرة على الرغم من الواقع المرير الذي يعيشونه.
فالموقع الجغرافي وغيره من العوامل تلعب دوراً رئيسياً في خلق الفرصة من جديد، ووجود كيانات اقتصادية قوية ومتطورة عند أغلب الدول العربية كدول مجلس التعاون الخليجي يشكل فرصة لنقص الشريط نحو البناء الاقتصادي العربي، ويستلزم ذلك اهتمام أكبر من قبل الجامعة العربية لكي تكون منسق التنمية المستقبلية للعرب، وأعتقد أن الكويت منحتنا فرصة ذهبية لكي يكون هناك انطلاق نحو قمم عربية اقتصادية كونها الأولى التي عقدت فيها، ويبقى الانتظار لما بعد التقرير من قبل الجامعة نفسها وما هي الخطوات التي ستسعى لها في قادم الأيام.
الله يرحمُ الحال...