الملف العلاقي الأخضر!

15/11/2009 11
سليمان المنديل

عندما قرر الإنجليز احتلال مصر، وذلك بسبب أهمية قناة السويس كبوابة إلى الهند، والتي كانت تعتبر أغلى جوهرة في التاج البريطاني، فقد استغل الإنجليز حادثة قتل جنود إنجليز في قرية دنشواي، في صعيد مصر، في عام 1881م، لتنفيذ خطتهم.

وقرر الإنجليز التحكم بكل مناحي الحياة المصرية، وأهمها نظام التعليم، حيث قرر المستعمر، أنه لغرض ضمان استمرار الاستعمار، فهناك حاجة إلى تعليم شريحة من المصريين للعمل كمساعدين إداريين (كتبة) لا أكثر، لأن الوظائف العليا ستبقى حكراً على المستعمر.

تلك السياسة التعليمية الاستعمارية كانت تمثل تراجعاً عما كان موجوداً قبلها، عندما قام محمد علي باشا، وذريته بإرسال البعثات إلى فرنسا، ومن أبرز تلك الشخصيات الشيخ محمد عبده، والشيخ رفاعه الطهطاوي، والدكتور طه حسين، وغيرهم كثر، وهو ما خلق النهضة الثقافية المصرية. لكن المخطط الإنجليزي ساهم تدريجياً في قتل الإبداع المصري.

لماذا نستعيد ذلك التاريخ المصري، وهمّنا سعودي؟! الواقع أن النظام التعليمي المصري، قد استورد إلى السعودية، بعدما أسس للعلاقات الودّية، الزيارات المتبادلة بين الملك عبد العزيز، والملك فاروق، رحمهما الله، سنة 1945م.

صحيح أن ما استقدم من مصر من أنظمة تعليمية في ذلك الوقت، كان يعتبر إضافة مهمة، إلى بلد لم يكن به إلا تعليم الكتاتيب في المساجد، ولكن الثقافة التعليمية المصرية، والتي وطّنها المستعمر، ركزت على تخريج الكتبة، وساعدها في ذلك أن الدولة السعودية كانت فعلاً بحاجة إلى خبرات إدارية بدائية، تبدأ بمعرفة الكتابة (كان يسمى فك الخط)، أو طباعة الآلة الكاتبة، أو المحاسبة، وزاد الطين بلة أن نظام تعليم الكتاتيب، هو معتمد على الحفظ والتلقين، بدون شرح أو تعريف. كما لم يساعد الأمور أن القيادة الدينية أصرت على اعتبار أن المواد الشرعية، هي العلم فقط، وما عداها هو ترف غير ضروري.

استرجاع كل ذلك التاريخ بدءاً من القرن التاسع عشر، ومن مصر إلى السعودية، ليس هدفه التقريع، أو جلد الذات، وإنما لكي نستفيد من تلك الدروس، ونعرف لماذا نعاني اليوم من نقص عدد الأطباء، والمهندسين، والمحاسبين السعوديين، وفي ذات الوقت نجد أولادنا يدورون بملفاتهم العلاقية الخضراء بحثاً عن وظيفة جندي، أو حارس أمن. لقد أصبح الملف العلاقي الأخضر رمزاً، وشاهداً على تخلفنا التعليمي.