أعطى مجلس الوزراء الموقر الضوء الأخضر لهيئة تنظيم الكهرباء لإعادة تحديد التعرفة المقررة على القطاعات غير السكنية من حكومية وزراعية وصناعية وتجارية بشرط ألا يتجاوز الحد الأعلى 26هللة للكيلو وات وبحسب القرار ستقوم الهيئة بدراسة شكل التعرفة الجديدة وبمرونة كاملة بحيث يكون هناك أسعار في أوقات الذروة تختلف عن فترات أخرى من باب تشجيع الصناعيين على وجه التحديد لأن يكون وقت تشغيل مصانعهم خارج تلك الأوقات التي يزداد فيها الضغط على الشبكة.
وكانت ردة فعل الصناعيين بحسب ما أعلنته اللجنة الصناعية بغرفة الشرقية أن أي زيادة بتعرفة الكهرباء ستؤثر سلبا على المصانع وعلى الاستثمار الصناعي بشكل عام تصل إلى حد انعدام الجدوى بحسب بيانهم وأنهم سيوضحون تلك العوائق لهيئة الكهرباء معتبرين أن التعرفة الحالية 12 هللة مربحة لشركة الكهرباء.
ولم تكن ردة فعل الصناعيين جديدة على أي تطور يحدث اتجاه احد أنواع الدعم الحكومي المقدمة لهم فصحيح أن هناك آلاف المصانع واستثمارات بمئات المليارات لكنها أيضا تلقت دعما واسعا وكبيرا على مر العقود الماضية من خلال المدن الصناعية التي تهيأت لهم بإنفاق حكومي شمل كل جوانب تهيئة الأرضية المناسبة لضخ استثماراتهم ولم يتكلفوا على تأسيسها أي مبالغ وتأخذ منهم رسوماً زهيدة مع فترات إعفاء بخلاف دعم الغاز اللقيم لبعض الصناعات وأفضلية للمواد المنتجة محليا بالمشاريع الحكومية ورسوم جمركية بسيطة وانتشار واسع للطرق والموانئ على الخليج العربي والبحر الأحمر ومطارات ومحطات شحن كلها أنشئت بهدف تقليل التكاليف عليهم.. هذا بخلاف صناديق التمويل الحكومية التي تقدم قروضا وتكلفتها أيضاً لدى المصارف التجارية بنسبة 75 بالمائة.
ومع كل ذلك مازلنا نسمع من قطاع الصناعة أنهم بحاجة إلى استمرار الدعم ولو افترضنا أن سعر الكهرباء أعلى من 12 هللة من الأساس هل ستكون الجدوى الاقتصادية معدومة؟.. وهل كنا سنحرم من تلك الاستثمارات كما أن العديد من المستثمرين يملكون مصانع بالخارج وأسعار الكهرباء أعلى لماذا لم يعدلوا عن استثمارهم.
ويضاف لذلك نقاط أكثر أهمية وهي العائد والمردود على الناتج الوطني من كل تلك الاستثمارات فلم تصل تلك المصانع إلى مرحلة تستطيع أن تؤثر بالأسعار إيجابا على المستهلك من خلال تحقيق أعلى نسبة كفاية لحاجة السوق فمازال الاستيراد من الخارج يشكل جل احتياجات السوق كما لم تقم تلك المصانع بزيادة العمالة الوطنية من خلال التدريب والتأهيل والاستفادة من الشباب المتدرب في معاهد وكليات أنشأتها الحكومة وتتكفل بكامل نفقاتها بخلاف صندوق الموارد البشرية الذي يتحمل رواتب السعوديين في الفترات الأولى لالتحاقهم بالعمل بينما تبلغ نسبة السعودة بالمصانع فقط 15 بالمائة وهي بسيطة جداً إذا ما قورنت بحجم الدعم المقدم لهم على كافة الأصعدة.
وإذا ما عدنا لإنتاج الكهرباء فإن حاجة المملكة المستقبلية تتطلب ضخ قرابة 300 مليار ريال خلال عشر سنوات للوصول بالطاقة الكهربائية إلى مستويات تغطي الطلب وتفيض قليلاً بمعنى استثمار سنوي 30 مليار ريال فمن أين سيأتي تمويل تلك الاحتياجات فزيادة التعرفة تهدف لتأمين بعض الموارد المالية للسير بتلك الخطة على أكمل وجه ورأينا كيف كانت ردة فعل الصناعيين على انقطاعات الكهرباء عنهم بسبب زيادة الأحمال وغيرها من الأسباب، وأنهم بصدد رفع دعاوى على الشركة بسبب خسائر لحقت بهم فماذا عن الخسائر والمسؤوليات التي تواجه الشركة وما هو دوركم فيها.
ثم أن حديث الصناعيين عن رفع الدعم الحكومي للاستهلاك السكني بهدف تأمين المزيد من الموارد فإنه أمر قائم من خلال أسعار الوقود التي تحتاجها الشركة والتي تقدر بمبالغ زهيدة جدا والفروق بين تلك الأسعار وأسعار الوقود بالأسواق تقدر بعشرات المليارات أليس هذا اكبر دعم ثم أن استهلاك مصنع واحد يكفي عشرات بل بعضها مئات المنازل وأي توفير على المستهلك يعود بالنتيجة على قدرته الانفاقية وبالتالي على المصانع وغيرها.
قد يكون دعم القطاع الصناعي وغيره ضرورة لأي اقتصاد وخصوصا الناشئة منها ولكن بالمقابل يجب أن لا يصل الأمر من المستثمرين حد انعدام النظرة المتوازنة بين احتياجاتهم وبقية التزامات الحكومة تجاه القطاعات الأخرى كما أن تأمين بعض الخدمات وعلى رأسها الكهرباء يجب ألا يقع على كاهل الحكومة بخلاف أن على مجتمع الأعمال والصناعة بشكل خاص تطوير عمليات الإنتاج وتحسين مستوياتها بشكل يصل بهم إلى حد تقليل الاعتماد على الدعم الحكومي فهو لن يكون أبديا كما أن انفتاح الأسواق ودخولنا لمنظمة التجارة العالمية يقلل من دور ذلك الدعم لاعتبارات عديدة فمن الواجب على المستثمرين الارتقاء النوعي والمستمر للوصول إلى مرحلة الكفاءة العالية بالإنتاج والجودة فما هيئ لهم كفيل بتحقيق أفضل النتائج فأين خطط الاندماج والتوسع المدروس وتحديث المصانع تكنولوجياً لتقليل التكلفة وكذلك الاستثمار بقطاع البنى التحتية كالكهرباء فلو عرض على أي مستثمر محلي مشروع إنشاء محطة كهرباء في ظل الأسعار الحالية لسمعنا منه انعدام الجدوى بسبب هامش الربح المحدود قياساً بحجم الاستثمار المطلوب لها.