اوروبا التعقيم ليس حلاً

12/09/2012 1
نايف بغلف

جائت ردت فعل الأسواق على قرارات البنك المركزي الأوروبي الأسبوع الماضي على شكل ارتفاعات لليورو مقابل الدولار وارتفاعات لمؤشرات الأسهم الأوروبية والضغط على عوائد السندات لبعض الدول (وان كان هناك بعض التراجعات خلال هذا الأسبوع) , وقد جاءت ردت الفعل هذه بعد اعلان رئيس البنك المركزي الاوروبي دراجي عن برنامج جديد لشراء السندات من السوق الثانوي (outright monetary transaction) ,وذلك بعد ان توقف البنك المركزي الأوروبي عن شراء السندات الأسبوع الماضي وأوقف العمل ببرنامجه القديم لشراء السندات (ٍsecurities market program) مع الاحتفاظ بالسندات الموجودة في محفظة البرنامج القديم لحين الاستحقاق .

المختلف في البرنامج الجديد هو كلمة الغير محدود أي ان البنك المركزي الأوروبي مستعد لشراء كميات غير محدودة من السندات السيادية اذا لزم الأمر وأيضا من اهم الاختلافات هو مشروطية ذلك البرنامج واهم تلك الشروط لتطبيق البرنامج لشراء سندات سيادية معينة هي :

-يجب ان يلتزم البلد العضو بمعايير البرنامج الأوروبي للاستقرار المالي او ما يدعى بال(EFSF/ESM) وهي معايير قد تتضمن تغيرات او وتعديلات للاقتصاد الكلي وقواعد الإنفاق وهو ماتقوم بة دول حاليا مثل اليونان البرتغال و ايرلندا او برنامج اخر يدعى بالأجرائات الوقائية, ولن يقوم البنك المركزي الأوروبي بعملية شراء للسندات مالم تحترم وتطبق تلك الشروط المتعلقة بتنفيذ ذلك البرنامج وقد يكون ذلك بمساعدة من صندوق النقد الدولي .

-سيتضمن البرنامج أية دول تطبق مستقبلا اشتراطات البرنامج الاوروبي للاستقرار المالي او الأجرائات الوقائية او أي دولة تقوم بتطبيقه حاليا .

-سيقوم البنك المركزي الاوروبي بالإعلان اسبوعياً عن كمية السندات المشتراة .

-يستهدف البرنامج السندات السيادية قصيرة الاجل (او منحنى عوائد تلك السندات) من سنة الى ثلاث سنوات.

وقد يبدو للوهلة الأولى ان هذا البرنامج لا يختلف كثيرا عن برنامج الاحتياطي الفدرالي للتسهيل الكمي ولكن عملية شراء السندات الأوروبية تتبعها عملية تدعى بال (sterilization) او التعقيم وهي عملية يقوم بموجبها البنك المركزي الاوربي بتقديم برنامج ودائع على اساس اسبوعي للبنوك لإيداع تلك الأموال في ذلك البرنامج وبذلك يقوم بتعقيم النظام المالي او العرض الكلي للنقود من العرض الناتج عن برنامج شراء السندات والبعد عن التضخم وهو ما اَراه ارضاءا للألمان وتخفيف من مخاوفهم التضخمية .

والتأثير المنتظر لتلك العملية هو انخفاض العوائد على السندات للمدى القصير وذلك لتخفيف الضغط على تلك البلدان وخفض تكاليف الاقتراض وإعطائها المزيد من الفسحة للتنفس ولكن تلك العملية لن تحل كثيرا من تشوه واختلاف عوائد السندات بين البلدان في منطقة اليورو وايضاً لاتقوم بتحسين تنافسية تلك البلدان وهي بالفعل ماتحتاج الية تلك البلدان لتزيد من اجمالي الناتج المحلي والنمو الاقتصادي وهو الحل الأمثل على المدى الطويل , او حتى تحسين العجز المالي والديون المثقلة بها تلك المنطقة (وان كان انخفاض اسعار الفائدة قد يخفض من تكاليف تمويل العجز في ميزانية تلك الدول بعض الشيء) ولكن كل ماتفعله هو اعطاء مساندة فعالة لمنطقة اليورو(وهي الكلمة التي استخدمها دراجي لوصف ذلك البرنامج) وتطمينات للمستثمرين بان البنك المركزي الأوروبي سوف يقوم بكل ما هو ممكن لإنقاذ المنطقة وإيحاء لهم بان البنك المركزي الاوروبي سوف يقوم بشراء السندات في حال تعثر احد تلك الدول لتخفيض مخاوف المستثمرين (وبالتالي العائد المطلوب للمخاطرة على تلك السندات).

المشكلة الأكبر التي ربما تواجه دراجي هو ان طلب دول مثل ايطاليا واسبانيا خطة للإنقاذ قد يدق ناقوس الخطر بشكل اكبر او يعلن عن وصول تلك الدولتين ذات الحجم الكبير الى الدوامة التي تعيشها اوروبا (وان كانت اسبانيا قد اقتربت من ذلك بشكل اكبر) ويعطي نتائج عكسية لما يريده دراجي ويقفز بمنحنى العوائد بشكل اكبر ,والشيء الاخر هو ان الالتزام بتلك المعايير يعني الرضوخ للمزيد من الترشيد في الأنفاق مع اقتصاد يعاني اصلاً من ضعف النمو وربما يجر تلك البلدان الى مشاكل سياسية . ويبقى اللاعب الأهم في تلك المنطقة وهم الألمان الذين يرفضون أي تدخل مباشر بحجة ان ذلك يناقض معاهدة الدول الاوروبية التي تنص على منع التمويل المباشر لأي دولة من دول المنطقة , سوف يتبين لنا في الايام القادمة مدى تأثير تلك الخطة في اقتصاد اوروبا والعالم اجمع.