في الأسبوع الماضي، قدمت نبذة عن "فضيحة اللايبور" (التي هزّت أخيراً كبرى المؤسسات المصرفية العالمية، بينما لا تزال التحقيقات جارية حتى الساعة وربما تكشف مستقبلاً عن تورُّط أسماء مصارف تجارية جديدة وربما أسماء مصارف مركزية)، وقدمت تعريفات مختصرة لكل من اللايبور والسايبور وآليات احتسابهما ثم ناقشت السؤال الأهم وهو: هل من الممكن أن تحدث فضيحة مشابهة لفضيحة اللايبور عندنا؟ وهنا اسمحوا لي أن أسترسل قليلاً في الإجابة عن هذا السؤال المهم.
إذا ما رجعنا إلى تاريخ السايبور، سنجد أنه تاريخ حديث العهد لا يتجاوز نحو 25 عاماً، حيث كانت المصارف السعودية قبله تعتمد على سعريْن لتحديد تكلفة الاقتراض بالريال السعودي فيما بينها، الأول سعر الجايبور وهو سعر خاص بمدينة جدة والثاني سعر الرايبور وهو سعر خاص بمدينة الرياض، وهذه فضيحة في حد ذاتها قبل أن تتدخل مؤسسة النقد مشكورة بتوحيد السعر إلى السايبور، نقول فضيحة بسبب وجود سعريْن للأداة المالية نفسها في مدينتين مختلفتين داخل بلد واحد (وهذا لم يحدث في أي دولة في العالم)، وهذا الوضع مكّن المصارف حينها بالتلاعب، حيث كانوا يقترضون من المدينة السعر الأقل ذاته ثم يقرضون من المدينة السعر الأعلى ذاته وهكذا دواليك.
بعد اعتماد السايبور كسعر موحد لتكلفة الاقتراض بين المصارف السعودية، تقلصت فرص التلاعب بسبب الرقابة المشدّدة التي تفرضها مؤسسة النقد لكن هذا لم يمنع المصارف من التلاعب بطرق أخرى، ومن أهم هذه الطرق أنهم يحمّلون عملاءهم تذبذبات أسعار السايبور بطريقة منسقة، حيث تواصل المصارف تحقيق نمو في أرباحها بغض النظر عن اتجاهات الأسعار! فعندما ترتفع أسعار السايبور فإنهم يحمّلون عملاءهم المقترضين هذا الارتفاع برفع الأسعار النهائية بالنسبة نفسها (وربما بنسبة أكبر)، بينما تزيد أرباحهم من الودائع المجانية، أما إذا انخفضت الأسعار فإنهم يثبتون الأسعار النهائية على عملائهم المقترضين (أو بنسبة أقل) لتعويض انخفاض أرباحهم من الودائع المجانية! وتكون النتيجة أن مسؤولية تحقيق نمو مطرد لأرباح المصارف كل عام (دون النظر لتقلبات أسعار السايبور) هو في واقع الأمر مسؤولية العميل المقترض فقط، بينما تتركز مسؤولية المصارف وبطريقة منسقة في تقدير حساسية الطلب من قِبل العملاء ومن ثم تقدير السعر النهائي للعميل مستغلين في ذلك أن صعوبة تحوّل العميل المقترض إلى مصارف منافسة بسبب عوائق عديدة يدركون أهميتها جيداً. أما المضحك فهو أننا عندما كنا نلحظ تذبذبات في أسعار السايبور (تحديداً في التسعينيات وبداية الألفية الحالية) فكنا نجد أن هذه التذبذبات تتزامن مع حلول موعد تجديد قروض أو تسهيلات ضخمة وهذه بالتأكيد إحدى المصادفات التي يتمتع بها نظامنا المصرفي في المملكة ولله الحمد!