نشر جهاز الإحصاء في الأول من يوليو تقديراته الأولية للناتج المحلي الإجمالي القطري لفترة الربع الأول من العام 2012 بكل من الأسعار الجارية والثابتة، أو ما يُعرف بالناتج الإسمي والحقيقي، فما هي هذه البيانات، وما أهميتها وماذا يمكن أن يُستخلص منها؟
بداية أشير إلى أن هذه البيانات هي بمثابة مؤشر على مدى حجم الاقتصاد القطري في فترة زمنية محددة، وما طرأ عليه من تغير مقارنة بالفترة السابقة التي قد تكون الربع السابق، أو الربع المناظر من السنة السابقة(أي في سنة). ومن هذه المقارنة نعرف ما إذا كان الاقتصاد قد نما أو انكمش عن الفترات المناظرة، وبالتالي تكون البيانات منطلقاً للإبقاء على السياسات المالية والنقدية، أو إجراء تعديلات عليها بما يناسب الظروف. والناتج المحلي الإجمالي هو مجموع نواتج جميع الوحدات السلعية والخدمية، وناتج جميع الأشخاص المقيمين في البلد للفترة محل الدراسة. ولأن الناتج هو عبارة عن حاصل ضرب كمية السلع أو الخدمات المنتجة في سعر الوحدة منها، لذا فإن الرقم الإجمالي يتغير بتغير الكمية أو السعر أو كليهما، فإذا تغيرت الكميات فقط دل ذلك على وجود نمو حقيقي في الناتج (أو انكماش إذا كان التغير سلبياً)، أما إذا تغيرت الأسعار فقط، فإن ذلك يدل على وجود تغير تضخمي في الناتج، في حالة ارتفاع الأسعار،(أو إنكماشي إذا انخفضت الأسعار).
وقد تبين من تقرير جهاز الإحصاء أن الناتج المحلي الإجمالي القطري(الإسمي) قد بلغ 176.1 مليار ريال بالأسعار الجارية بزيادة سنوية بنسبة 24.8% عن الربع الأول من العام 2011، وبزيادة بنسبة 4% عن الربع الرابع(السابق) من العام 2012. وعند قياس الناتج بأسعار عام 2004(لاستبعاد أثر التغير في الأسعار) فإن الناتج قد بلغ في الربع الأول هذا العام 82.1 مليار ريال، بزيادة سنوية بنسبة 6.9%، وبنسبة 3% عن الربع السابق. وتُعطي البيانات التفصيلية عن ناتج كل قطاع على حدة صورة أدق عن وضع الاقتصاد القطري من حيث النمو الحقيقي أو التضخمي في كل منها، وهو ما سنسلط الضوء عليه على النحو التالي:
1- في قطاع النفط والغاز نما الناتج بنسبة 30% في سنة ما بين الربع الأول 2011 و الربع الأول 2012 بالأسعار الجارية، بينما كان النمو بنسبة 4.6% فقط بالأسعار الثابتة، وهذا يعني أن النمو في ناتج هذا القطاع قد تحقق في معظمه من زيادة أسعار النفط، في حين أن النمو في الكميات كان محدوداً. ولأن ناتج هذا القطاع يشكل 60% من الناتج المحلي الإجمالي في قطر، لذا فإن الزيادة في ناتج هذا القطاع هي المسئولة عن نمو الناتج الإجمالي بنسبة 24.8%. وبالمقارنة بالربع السابق فإن معدل النمو لهذا القطاع قد بلغ 9.7% بالأسعار الجارية، و 0.6% فقط بالأسعار الثابتة.
2- حدث شيئ مماثل في قطاع الصناعة التحويلية التي تأتي في مقدمتها البتروكيماويات والأسمدة الكيماوية، فأسعار هذه المنتجات ترتفع وتنخفض غالباً بالتوازي مع أسعار النفط، ولهذا نما ناتج هذا القطاع في سنة بنسبة 21% بالأسعار الجارية، وبنسبة 4.3% بالأسعار الثابتة. كما أنه نما في ربع سنة بنسبة 11.2% بالأسعار الجارية، و 4% بالأسعار الثابتة، مما يدل على أن أن ارتفاع الأسعار قد بلغ ذروته في الربع الأول من هذه السنة.
3- في قطاع البناء والتشييد، حقق القطاع في سنة نمواً بنسبة 6.8% بالأسعار الجارية و 6.1% بالأسعار الثابتة. وهذا التقارب في النسبتين يدل على وجود زيادة طفيفة في أسعار القطاع، مع نمو فعلي في إنتاجه بمعدل جيد، وفي المقابل فإن الأرقام الربعية تشير إلى نمو بنسبة 12.9% بالأسعار الجارية و 21.9% بالأسعار الحقيقية عن الربع السابق، ويعكس ذلك أن هذا القطاع نشط في بداية هذا العام، وأن أسعاره قد انخفضت بشكل ملحوظ عن الربع السابق، ربما لوجود منافسة قوية.
4- في قطاع الكهرباء والماء لم تتغير الأسعار منذ عام 2004، ولذلك تطابقت الأرقام الأسمية والحقيقة، ونما ناتج القطاع بنسبة 8.9% على أساس سنوي و 1.7% عن الربع السابق.
5- في الخدمات الحكومية نما الناتج على أساس سنوي بنسبة 45% بالأسعار الجارية، وبنسبة 13.9% بالأسعار الثابتة، ويُفهم من ذلك أن هناك توسعاً في الخدمات الحكومية في سنة بنسبة 13.9%، ولكن هناك زيادة في الأسعار نتيجة ما طرأ على رواتب القطريين من زيادات منذ سبتمبر الماضي. وعن الربع السابق نما القطاع بنسبة 5.5% بالأسعار الجارية و 1.2% بالأسعار الثابتة.
6- في قطاع المال والتأمين والعقارات وخدمات الأعمال، نما الناتج على أساس سنوي بنسبة 5% بالأسعار الجارية، وبنسبة 7.2% بالأسعار الثابتة، أي أن هناك نمو حقيقي في خدمات ومنتجات هذا القطاع بنسبة 7.2%، ولكن لأن أسعار هذا القطاع قد تراجعت-وأهمها معدلات الفائدة والمرابحة- فإن نمو الناتج بالأسعار الجارية كان أقل وبنسبة 5% فقط. أما بالمقارنة بالربع السابق فإن ناتج هذا القطاع قد انكمش بنسبة 25.8% بالأسعار الجارية ونما بنسبة 4% بالأسعار الثابتة. وهذا التطور يبدو غريباً وبحاجة إلى تفسير مقنع بخلاف ما أشار إليه جهاز الإحصاء في تقريره. وقد يكون الأمر راجع إلى إتمام صفقات خاصة على أسهم شركة واحدة هي أزدان في شهر ديسمبر 2011 بعدة مليارات من الريالات، وهو حدث استثنائي، عاد بعده حجم ناتج القطاع إلى مستواه السابق، مما شكل تراجعاً كبيراً.
7- في قطاع التجارة والمطاعم والفنادق، نما ناتج هذا القطاع في سنة بنسبة 12.5% بالأسعار الجارية، و 11.4% بالأسعار الثابتة، مما يعكس أن معظم النمو كان حقيقياً، وأن الأسعار زادت فقط بنحو 1% فقط. وبالمقارنة مع الربع السابق كان هناك انكماش في ناتج هذا القطاع بنسبة 1.3% بالأسعار الثابتة، وبنسبة 3.7% بالأسعار الجارية مما يدل على تراجع أسعار هذا القطاع بأكثر من 2%.
8- في قطاع النقل والاتصالات، نما ناتج القطاع في سنة بنسبة 10.8% بالأسعار الجارية، و 12.7% بالأسعار الثابتة، أي أنه كان هناك نمو حقيقي قوي، مع تراجع في أسعار القطاع ( ربما بسبب الحوافز التي تقدمها كيوتيل وفودافون). وبالمقارنة بالربع السابق، حقق القطاع نمواً حقيقياً بنسبة 1.5% ولكن بسبب تراجع الأسعار انكمش الناتج بالأسعار الجارية بنسبة 1.5%.
9- في قطاع الخدمات الإجتماعية، انكمش ناتج القطاع في سنة بنسبة 0.7% ولكنه نما بالأسعار الجارية في نفس الفترة بنسبة 9.4% نتيجة زيادة رواتب القطريين. وبالمقارنة بالربع السابق ازداد الإنكماش وضوحاً حيث تقلص حجم النشاط بنسبة 1.8%، ولكنه بالأسعار الجارية ارتفع وبنسبة 7.1%.
10- في قطاع الزراعة، رغم محدودية هذا القطاع إلا أن ناتجه الحقيقي قد نما في سنة بنسبة 3.9% بالأسعار الثابتة، ولكن أسعاره تراجعت ليسجل بالأسعار الجارية نمواً بنسبة 2.8%. وبالمقارنة بالربع السابق، كان تراجع الأسعار أكثر حدة، فقد نما ناتج القطاع بالأسعار الثابتة بنسبة 4.1%، ونما بالأسعار الجارية بسبة 0.7% فقط.
11- في قطاع الخدمات المنزلية نجد أن ناتج هذا القطاع قد نما في سنة بالأسعار الثابتة بنسبة 4%، ولكنه نما بنسبة 8% بالأسعار الجارية مما يدل على وجود زيادة في عدد العاملين بنسبة 4%، مع زيادة في أجور الخدم وتكلفة جذبهم بنسبة 4% أيضاً. وحدث شيئ مماثل بالمقارنة بالربع السابق مع اختلاف النسب، حيث النمو الحقيقي للقطاع بنسبة 0.5%، وبالأسعار الجارية بنسبة 2.6%، مما يعني حدوث زيادة في الأسعار عن الربع السابق بنسبة 2%.
12- الخدمات المالية المحتسبة: هذا البند لا يمثل قطاعاً فعلياً في الناتج المحلي الإجمالي، ولكنه قيد دفتري فقط لتخليص الناتج من إزدواج في الحساب. فالمعروف أن المعاملات الماليه لها وجهان ؛ دائن ومدين، ولهذا فإن كل معاملة مالية يتم تسجيلها مرتان مما يشكل زيادة غير حقيقية في الناتج المحلي الإجمالي، ولذا يتم خصمها مرة واحدة تفادياً للإزدواج. وقد نما حجم هذه الخدمات بنسبة 5% في سنة ولكنه انكمش بنسبة 1.7% بالأسعار الجارية، نتيجة تراجع أسعار الفائدة. وكان انخفاض الأسعار أشد عند المقارنة بالربع السابق، حيث انكمشت الخدمات المالية بنسبة 11.9%رغم أنها نمت بنسبة 0.8% بالأسعار الثابتة.