الأصول والدَّين.. المقصُّ المحيّر للسياسات الاقتصادية (2-3)

04/07/2012 2
عبد الحميد العمري

أشرتُ في الجزء الأول من هذه المقالة الثلاثية حول موقف السياسات الاقتصادية (تحديداً المالية والنقدية)، تجاه التقلبات الاقتصادية التي مرَّ ويمرُّ بها اقتصادنا الوطني، مبتدئاً بحالتها أمام مرحلةٍ صعبة تضمنتْ ارتفاع مستوى الدَّين المحلي لأكبر من حجم الاقتصاد،والآن في وضع معاكس تماماً لتلك الحقبة، شهدتْ تدنّي مستويات الدين إلى أدنى مستوياته التاريخية، مقابل ارتفاع الأصول الاحتياطية إلى أعلى مستوياتها التاريخية أيضاً (فاقت حجم الاقتصاد الوطني).حدث أن عادتْ مستويات الإنفاق الرأسمالي للارتفاع إلى مستوياتٍ غير مسبوقة، فاقت ثلث الإنفاق الحكومي! وبالنظرِ إلى جانب الإيرادات؛ سيمكن معرفة الأسباب الحقيقية وراء تلك الارتفاعات القياسية (سواءً في حجم الإنفاق، أو حجم الأصول الاحتياطية)، إذ إنها جاءت بفضل ارتفاع مستويات أسعار النفط! وصلتْ بها إلى عشرة أضعاف قيمها الاسمية في فترة الانخفاض، وتزامن معها ارتفاع حجم الإنتاج بنحو %10.2 في متوسط إنتاج الحقبتين (91-2002) و(2003-2011).إذاً الفارق الرئيس بين الحقبتين الزمنيتين هو (النفط)، في وقت انخفاضه كان من أبرز النتائج أن ارتفع العجز والدين العام، وزيادة مزاحمة الحكومة للقطاع الخاص على الائتمان، وانخفضت الأصول الاحتياطية، والنمو الحقيقي للاقتصاد، وتقلّص الانفاق على البنى التحتية، تبعه انعدام خلق أي فرص استثمارية، تلاه انعدام خلق الفرص اللازمة في سوق العمل! وفي وقت ارتفاعه؛ حدث فقط أن انخفض العجز بل تحول إلى فائض، لينخفض الدين العام، وانخفاض المزاحمة الحكومية على الائتمان (حدث لاحقاً بسبب قصور السياسة النقدية والاستثمارية، أن تدفقت السيولة الفائضة والائتمان المفرط في تضخم أسعار الأصول المحلية، سوق الأسهم أولاً ثم القطاع العقاري ثانياً بعد انهيار الأول، ولا زال الثاني يفتك بالاقتصاد الوطني حتى الآن). أكمل النتائج؛ وارتفعتْ الأصول الاحتياطية لتتجاوز حجم الاقتصاد، في الوقت ذاته تدفقت الاستثمارات الأجنبية (تجاوزت 700 مليار ريال). ولكن على صعيد السياسات لم يحدث شيء، ولا حتى بالنسبة لمحددات النمو الاقتصادي!.