بعد قضاء يومين في القاهرة في نهاية الاسبوع الماضي والحديث مع عدد من الأصدقاء والمتابعين للشأن العام في مصر والاطلاع على عدد من المقالات والمداخلات بشأن أوضاع الاقتصاد المصري، أجد لزاماً طرح وجهة نظري عن ما يجب أن تفعله الإدارة السياسية الجديدة لإنعاش هذا الاقتصاد المنهك. هناك الكثير من الطروحات المتعلقة بشأن الإمكانيات الكامنة للاقتصاد المصري، وقد تصدق طروحات عديدة منها، لكن ما يجب التأكيد عليه هو أن توظيف الإمكانيات يتطلب فكرا اقتصاديا واقعيا وتحديدا للمسارات التي ستحكم الاستفادة من هذه الإمكانيات. لا شك في أن مصر تملك موارد مهمة سواء في قطاع البترول والغاز أو في إمكانيات السياحة الجاذبة أو في عدد من الصناعات التحويلية ذات الميزات النسبية، وكذلك في القطاع الزراعي، بالإضافة إلى توافر ممر قناة السويس وما يدره من عوائد على البلاد. هذا ناهيك عن الموارد البشرية المهمة لشعب يتجاوز عدده، الآن، 85 مليون نسمة تتمتع نسبة مهمة منهم بتعليم جيد ومهارات مهنية مناسبة.. لكن هذه الإمكانيات أصبح الكثير منها معطلاً بسبب سياسات اقتصادية تم تبنيها خلال الستين سنة الماضية، ومنذ ثورة 23 يوليو 1952، وبعد أن تم انتهاج نظام اقتصادي شمولي سخر كل الموارد الأساسية، المادية والبشرية، لإدارة الدولة.. ولم يعد بالإمكان تطوير المرافق والقطاعات الاقتصادية بعيداً عن إرادة السلطة البيروقراطية حتى بعد أن تبنت مصر في عهد المرحوم الرئيس أنور السادات في عام 1974 سياسات الانفتاح الاقتصادي، بل نتيجة لذلك التسلط البيروقراطي أصبح الانفتاح الاقتصادي وسياسات التخصيص مثقلة بالتحيز والفساد وانعدام الشفافية.
ما هو مطلوب الآن من الإدارة السياسية الجديدة بقيادة الرئيس محمد مرسي تطوير سياسات واستراتيجيات للتنمية الاقتصادية تعتمد فلسفة توظيف الموارد الاقتصادية والانفتاح المباشر على الاستثمار المحلي والأجنبي دون قيود وعراقيل... وهنا يجب التنويه الى أن مصر لم تتلق أي تدفقات رأسمالية خلال العام ونصف العام المنصرم، أي منذ بداية ثورة 25 يناير 2011، لأسباب سياسية ومخاوف أمنية وعدم وثوق بالإدارة الحاكمة من قبل المستثمرين.
ولذلك لا بد من مراعاة حساسية مواقف المستثمرين واعتماد سياسات واضحة بشأن حقوق المستثمرين في الملكية وتوظيف العاملين وتسهيل إجراءات توظيف الاستثمار وإنجاز المشاريع ذات الميزات النسبية والمتمتعة بالحدود الدنيا من الجدوى الاقتصادية. ويمكن الزعم، هنا، بأن توفير فرص العمل للمتدفقين إلى سوق العمل أو إعادة المتعطلين إلى مصانعهم أو الفنادق يستوجب المزيد من التعامل المرن مع مطالبات المستثمرين ورجال الأعمال. كما أن توفير الأمن والأمان والاستقرار السياسي سيؤدي إلى تحسن في بيئة الأعمال في البلاد. لكن بعد كل ما سبق ذكره يجب التذكير بأن الأوضاع الاقتصادية العالمية لن تكون يسيرة ولن تتوفر سبل التمويل الميسر لمصر وغيرها من بلدان نامية من دون تحمل الإدارات السياسية في هذه البلدان لعبء الإصلاح الاقتصادي وتبني سياسات مالية رشيدة وتعزيز الاستقرار النقدي وتقوية الأجهزة الرقابية لديها، خصوصاً سلطات البنك المركزي.. إن على المصريين الذين يزعمون توافر موارد مهمة لديهم أن يعززوا فهمهم لمتطلبات الاقتصاد العالمي والتفاعل إيجابياً معها