تواجه البلدان التي تعتمد على ايرادات سيادية محددة، مثل الايرادات النفطية في بلدان الخليج العربي، مشكلة الانكشاف على تقلبات الأسواق العالمية. في الوقت الحاضر هناك مخاوف لدى البلدان الخليجية من أن يكون التراجع الراهن في أسعار النفط تراجعاً هيكلياً بمعنى أن يستمر ويرتبط بحال الركود السائد في البلدان الصناعية الرئيسية التي تعاني من تدني معدلات النمو الاقتصادي.
لقد تمكنت البلدان المصدرة للنفط، وخصوصاً تلك المنضوية تحت لواء الأوبك، من تفادي الأزمة الاقتصادية التي تعرضت لها البلدان الصناعية الرئيسية في أواخر عام 2008 بالرغم من تراجع أسعار النفط من مستوى قياسي بلغ 147 دولارا في يوليو 2008 الى ما يقارب الــ 30 دولاراً في بداية عام 2009.
فقد عاودت أسعار النفط الارتفاع وانتعش الطلب على النفط بفضل النمو المتسارع في البلدان الناشئة مثل الصين والهند والبرازيل وغيرها، وعاودت الأسعار التماسك والارتفاع الى أن قاربت من مستوى 120دولاراً للبرميل... بيد أن استمرار الأزمة الاقتصادية في بلدان الاتحاد الاوروبي بسبب أزمة الديون السيادية وانكشاف المصارف الأوروبية وكذلك استمرار تواضع معدلات النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة دفع النشاط الاقتصادي في البلدان الآسيوية وعدد من البلدان الصناعية الجديدة الى التعثر في مسيرتها الاقتصادية.. وكان لا بد من توقع حدوث تراجع في معدلات النمو الاقتصادي في الهند والصين وكوريا والبرازيل، حيث أن هذه البلدان تظل بلداناً مصدرة للسلع والبضائع المصنعة ولا يمكن لها أن تحقق نتائج من تجارتها الخارجية ما دامت البلدان المستهلكة الرئيسية تواجه أزمة اقتصادية بنيوية، كما تشهد البلدان الاوروبية في الوقت الراهن.
أن بلدان الخليج بعد أن أرتفعت أسعار النفط، الجاري والاستثماري، شمل ذلك رفع الرواتب والاجور واعتماد الكثير من المشاريع ذات الصلة بالبنية التحتية والمرافق والخدمات. وقد حققت هذه البلدان فوائض مهمة بالرغم من ارتفاع قيمة الانفاق في السنوات الماضية مما دفع المسؤولين والمواطنين الى التعامل بأريحية مع متطلبات الأوضاع الاقتصادية، وغاب عنهم الشعور بمخاوف من تراجع الايرادات السيادية المتأتية من مبيعات النفط. ولذلك فان هذه الأوضاع المالية المريحة جعلت من امكانية معالجة الاختلالات الهيكلية في اقتصادات بلدان المنطقة أقل أهمية من ارضاء المواطنين وزيادة مداخيلهم.
غني عن البيان أن الأمور ليست متساوية في كل بلدان المنطقة حيث تتفاوت الرؤى حسب الامكانات المالية وحجم التحديات الاقتصادية والاجتماعية. وخلال السنوات القليلة الماضية ارتفعت المطالبات بتحسين الأوضاع المعيشية وتأثرت شعوب المنطقة بالحراك السياسي العارم في عدد من البلدان العربية، والذي أطلق عليه الربيع العربي، مما دفع الحكومات الى تبني سياسات انفاق تهدف لكسب الود السياسي من قبل هذه الشعوب والتي تتزايد أعداد الشباب والصغار في السن فيها بما يزيد من الأعباء الاجتماعية.. واذا تراجعت أسعار النفط عن المستويات الراهنة خلال الشهور والسنوات القادمة فان المعالجات يجب أن تكون شاملة وبما يؤدي الى مراجعة كل السياسات المالية التي اعتمدت خلال العقود الماضية وربما تطلب الأمر انجاز تحولات هيكلية.