الحقية أن أرامكو السعودية تدعم أمن الطاقة العالمي، وليس الصيني فحسب. فموثوقية الشركة وقدراتها الإنتاجية، وكفاءتها في إدارة شؤون النفط والغاز، واعتمادها على سياسة نفطية سعودية حكيمة ضامنة لأمن الإمدادات واستقرار الأسواق، ومحققة لمصالح المنتجين، وغير مضرة بالمستهلكين، تجعلها في مقدم الشركات العالمية القادرة على تحقيق أمن الطاقة، وحماية الاقتصاد العالمي من الصدمات العنيفة.
الشراكة السعودية الصينية باتت أكثر عمقاً وتنوعاً، وتعززت بالثقة المتبادلة خلال السنوات الست الماضية، منذ زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ للسعودية في يناير 2016م، مروراً بزيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لجمهورية الصين في مارس 2017 م، وزيارة الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء للصين في فبراير 2019م، والتي ساهمت في توسيع نطاق التعاون بين البلدين في شتى المجالات، ثم زيارة الرئيس الصيني الأخيرة للمملكة في ديسمبر 2022م، وهي الزيارة المهمة التي نتج عنها توقيع اتفاقية إستراتيجية شاملة، ومواءمة رؤية 2030 مع مبادرة الحزام والطريق ورسمت مسار الشراكة الإستراتيجية بين البلدين، وعززت موثوقيتها. تمكنت المملكة بحكمة قيادتها، ورؤيتهم المستقبلية من بلورة شراكة وثيقة مع الصين، تجاوزت الشأن الاقتصادي إلى كافة المجالات.
أمن الطاقة، أحد أهم مرتكزات تلك الشراكة الإستراتيجية، لذا لم يكن مستغرباً إعلان الرئيس التنفيذي لأرامكو السعودية، أمين الناصر، في منتدى التنمية الصيني، دعم أرامكو السعودية لأمن الطاقة والتنمية على المدى الطويل في الصين عبر الشراكات الإستراتيجية والمشاريع المشتركة وباستخدام تقنيات خفض الانبعاثات، التي تُمكّن من تصنيع منتجات منخفضة الكربون، وكيميائيات، ومواد متقدمة.
يأتي توسع أرامكو في الصين متوافقاً مع احتياجات سوقها المتعطشة لمصدر موثوق ومستدام للطاقة، يحقق لها أمن الإمدادات، ويخلق لها فرصًا استثمارية نوعية داعمة لاقتصادها، ومتوافقة مع احتياجاتها الرئيسة. التحول من تصدير النفط الخام، إلى بناء قطاع طاقة شامل في مجال التكرير والمعالجة والتسويق، والتوسع في قطاع البتروكيماويات، والاعتماد على التقنيات الحديثة لتحويل السوائل إلى مواد كيميائية، من أولويات أرامكو، ومستهدفاتها العالمية.
«التحول العالمي للطاقة» من المحاور المهمة التي أشار لها الناصر في كلمته، وأحسب أنها أحد الجوانب المؤثرة في مستقبل الطاقة. فالتحول السريع وغير المدروس للطاقة، وما يصاحبه من محاولة سن تشريعات تؤثر سلباً على الصناعة النفطية، ستخلق أزمة في الإمدادات مستقبلاً، وستعرض الاقتصاد العالمي لمخاطر كبرى. فمن غير الممكن المراهنة على إمدادات الطاقة البديلة، التي انكشفت أمام أول أزمة حقيقية ومؤثرة على إمدادات النفط والغاز، إبان الحرب الروسية -الأوكرانية، ما دفع الدول المتحيزة ضد النفط، والمطالبة بالتحول للطاقة النظيفة بالعودة إلى الفحم لتشغيل محطات توليد الكهرباء، وهو الملوث الأكبر للبيئة. من الضروري المواءمة بين أمن الطاقة، ومتطلبات التغير المناخي، خاصة في المرحلة الانتقالية التي تتطلب الكثير من الجهد، والاستثمارات، والتجارب لتعزيز مصادر الطاقة البديلة ورفع كفايتها وكفاءتها في آن. التحيز ضد مصادر الطاقة الإحفورية قد يتسبب في مشكلات كبرى لا يمكن معالجتها مستقبلاً، كما أن تسييس ملف الطاقة، واستغلال التغير المناخي للإضرار بالدول المنتجة للنفط سيتسبب في حجب الاستثمارات عن قطاع التنقيب والإنتاج ما قد يتسبب في نقص الإمدادات مستقبلاً، وخلق أزمة عالمية لا يمكن معالجتها بسهولة.
المهندس الناصر أشار إلى أن التحول العالمي للطاقة في حاجة ماسّة إلى «بعض الواقعية والوضوح». دبلوماسية الناصر لا يمكن أن تخفي المخاطر التي قد تتسبب بها دول الغرب، والعالم، كنتيجة لتعاملهم غير الواقعي مع ملف التغير المناخي، ودفعهم نحو الطاقة البديلة التي لا يمكن الاعتماد عليها في الوقت الحالي، أو حتى خلال عقود قادمة.
تصريحات الناصر جاءت منسجمة مع تصريحات سابقة لمعالي وزير الدولة للشؤون الخارجية ومبعوث شؤون المناخ عادل الجبير، الذي وصف فيها مواقف الغرب حيال ملف التغير المناخي بالمتناقضة، ووصف حوار التغير المناخي بأنه «مليء بالمشاعر والعواطف ويفتقد المنطق والعلم». ملف التغير المناخي مليء بالتناقضات، وبالأهداف السياسية، وهو موجه ضد دول النفط على وجه الخصوص، وأحسب أن الرؤية السعودية الصينية باتت متوافقة في تعاملها معه. فالمملكة حريصة على تقديم حلول عملية لخفض انبعاثات الكربون، والتوسع في إنتاج الطاقة البديلة، وتطبيق برنامج الاقتصاد الدائري للكربون والمساهمة الفاعلة في برامج معززة للبيئة على المستويين المحلي، والإقليمي، في الوقت الذي تسعى فيه الصين إلى خفض الانبعاثات الضارة في قطاعها الصناعي، وإدخال تقنيات جديدة تحد من انبعاثات الكربون، والعمل على تطوير مصادر للطاقة البديلة جنباً إلى جنب مع مصادر الطاقة التقليدية.
أمن الطاقة هدف لا يمكن تحقيقه إلا بتكاتف الجهود، وتقريب وجهات النظر لتشكيل رؤية موحدة تأخذ في الاعتبار مصالح الدول المنتجة للنفط، والدول النامية عموماً، والمخاطر المتوقع حدوثها للتحول السريع وغير المدروس نحو الطاقة البديلة، وانعكاس ذلك على الاقتصاد العالمي، وهي الرؤية الواقعية التي توافقت عليها السعودية والصين كجزء من شراكتها الإستراتيجية التي ساهمت في تبني أرامكو السعودية سياسة إنتاجية وشراكة داعمة لأمن الطاقة الصيني.
نقلا عن الجزيرة