حمل بيان سعادة وزير الاقتصاد والمالية عن الموازنة العامة للدولة للعام الجديد 2012/2013 أنباء طيبة عن وجود زيادة ملحوظة في كل من الإيرادات العامة والنفقات العامة والفائض. فالإيرادات العامة المقدرة للسنة ستزيد بنحو 43 مليار ريال وبنسبة 26% ، وستزيد النفقات العامة بنحو 38 مليار ريال وبنسبة 27%، ورغم هذه الزيادة الإخيرة في الإنفاق، فإن الموازنة ستحقق مع ذلك فائضاً يزيد بـمقدار 5 مليار ريال عن الفائض التقديري السابق، أو بنسبة 22%. وهذه الأرقام في مجملها بحاجة إلى تسليط بعض الضوء عليها لمعرفة ما تحمله تلك الزيادات من معاني.
أولاً: النفقات العامة: أول ما يهم القارئ بالطبع هو الإطمئنان على أرقام الإنفاق العام الذي سيبلغ هذا العام 178 مليار ريال مقارنة بـ 140 مليار ريال في موازنة العام السابق، و142.4 مليار ريال ومقارنة بـالأرقام الفعلية للعام 2010/2011. ويمكن تسجيل الملاحظات التالية على التقديرات الجديدة:
1- أن 12 مليار ريال من أصل الزيادة البالغة 38 مليار ريال قد جاءت لتغطية الزيادة التي تم إقرارها في سبتمبر الماضي على الرواتب والأجور للقطريين. وبالتالي هي لا تشكل زيادة جديدة في الرواتب بقدر ما هي استحقاق لوضع قائم بالفعل منذ 7 شهور. الجدير بالذكر أن نسبة الرواتب والأجور ارتفعت قليلاً إلى 20.6% من إجمالي النفقات العامة ،علماً أنها كانت طيلة السنوات السابقة تتذبذب حول 18%.
2- أن 19 مليار ريال من الزيادة في النفقات ستذهب لتغطية الزيادة في المصروفات الجارية اللازمة لإدارة عجلة الخدمات الحكومية في كل المواقع، بحيث بات هذا الرقم يصل إلى 69 مليار ريال مقارنة بـ 57 مليار في الموازنة السابقة. الجدير بالذكر أن خدمة الدين العام تندرج تحت هذا البند؛ بحيث من المتوقع تخصيص نحو 15 مليار ريال له من أصل 69 مليار ريال، بزيادة تربو على 7 مليار ريال عن موازنة السنة السابقة، إضافة إلى عدة مليارات أخرى للزيادة في رواتب المتقاعدين، وهذه تقديرات شخصية وفقاً لبعض المعطيات ولم يتم نشر تفاصيل لها.
3- من المقدر أن ترتفع النفقات الرأسمالية الثانوية بنحو 4 مليار إلى 11 مليار ريال لتغطية مشتريات أجهزة ومعدات، وتكاليف توسعات محدودة في المرافق العامة.
4- من المقدر أن ترتفع مخصصات المشروعات الكبرى -كميناء الدوحة الجديد ومطار الدوحة الجديد، ومشروعات الصرف الصحي والبدء في انطلاق مشروع القطارات، والمشروعات التحضيرية لاستضافة كأس العالم وغيرها من مشاريع البنية التحتية المدرجة في استراتيجية التنمية- بنحو 4 مليار ريال فقط وبنسبة 7%، لتصل إلى 62 مليار ريال مقارنة بـ 58 مليار في موازنة السنة السابقة. وهذه الزيادة تعتبر محدودة رغم ضخامة المشروعات المستهدفة، وطبيعة المرحلة القادمة. وأن هذا البند سيكون بالتالي مصدر الزيادات الكبيرة في النفقات العامة في الموازنات القادمة.
ثانياً: الإيرادات العامة: أما الزيادة في الإيرادات التي بلغت 43 مليار ريال فإنها في أكثر من نصفها أو نحو 25 مليار ريال ناتجة عن رفع سعر برميل النفط من 55 إلى 65 دولار للبرميل. وقد كان من المفترض لدواعي الحيطة والحذر أن يستمر العمل بسعر 55 دولار للبرميل، خاصة وأن سعر النفط آخذ في التراجع في الأسابيع الأخيرة بحيث فقد نحو 20 دولاراً للبرميل، لأسباب يرجع بعضها إلى عودة الصادرات الليبية إلى مستوياتها المعتادة من ناحية، وبسبب تباطؤ معدل نمو الطلب العالمي على النفط من ناحية أخرى. إلا أن الاعتبارات التي أشرت إليها في الجزء الأول أعلاه عن الحاجة إلى زيادة الإنفاق العام، قد استدعت-على ما يبدو- رفع سعر برميل النفط، ولو لم يحدث ذلك لنتج عجز في الموازنة التقديرية للسنة الجديدة.
أما بقية الزيادة المقدرة في الإيرادات العامة، فهي متوقعة من جهتين الأولى: زيادة الدخل من الاستثمارات بعد أن تنامى حجمها في الداخل والخارج بتمويل من القروض. وأما الجهة الثانية لزيادة الإيرادات فهي الإيرادات التقليدية من ضرائب ورسوم في بلد يزداد فيه السكان بأكثر من 5% سنوياً، وينمو الاقتصاد بمعدلات عالية.
ثالثاً الفائض: وبالنسبة للفائض الذي ارتفع بنحو 5 مليار ريال وبنسبة 22% إلى 28 مليار ريال في تقديرات السنة الجديدة، فإنه يمكن تسجيل الملاحظات التاليه عليه:
1- أنه نظراً لاحتمال تراجع سعر النفط بسبب تباطؤ النمو العالمي، وبسبب رفع السعر المعتمد إلى 65 دولاراً للبرميل، فإن الفائض الفعلي المتوقع سيكون قريباً من الفائض المقدر في الموازنة، على عكس ما حدث في السنة السابقة عندما جاء الفعلي بأكثر من ثلاثة أمثال المقدر تقريباً.
2- أنه نظراً للزيادة المنتظرة في النفقات العامة لمواجهة متطلبات المشاريع الكبرى في السنوات القادمة، وربما بسبب احتمال تراجع سعر النفط –إذا ما دخل الاقتصاد العالمي في دوامة ركود جديدة- فإن الفائض قد يتلاشى في الموازنة القادمة، وقد نعود بعدها إلى مواجهة عجوزات مالية اعتباراً من موازنة العام 2014/2015.
3- أن تقليص الفائض الفعلي في السنة والسنوات القادمة قد يدفع من وتيرة الاعتماد على الدين العام لتمويل التوسع في الاستثمارات الخارجية، وهذا بدوره سيزيد من نفقات خدمة الدين العام. فإذا حدث أن ارتفعت معدلات الفائدة على القروض مستقبلاً، فإن نفقات خدمة الدين العام ستتضاعف عندئذٍ، وتصبح عبئاً على بنود الموازنة العامة.
ويظل ما سبق أعلاه رأي شخصي قد يحتمل الصواب والخطأ، وإن كنت بحكم أربعة عقود من متابعة الموازنات القطرية أرى أنه أقرب إلى الصواب، وقد نعود لمناقشته في مقالات قادمة.