أرجو ألا نقلل من أهمية الدور الذي يقوم به الموظف الحكومي، ونستكين إلى قناعة زائفة بأن الموظف لا يبذل ما يبذله موظف القطاع الخاص من جهد أو أنه أقل رغبة في العمل والتضحية والعطاء، لأن من يبحث في أحوال موظفي الحكومة يجد منهم من يبذل من الجهد أضعاف ما يبذله موظف القطاع الخاص، وربما لا يحصل من مقابل ذلك على نصف ما يحصل عليه موظف القطاع الخاص، وربما لو بحث بعض موظفي الحكومة عن بدائل لوجدوا الفرص السانحة برواتب مضاعفة.. لكنها فتنة حب الوظيفة الحكومية! وهذه مشكلة قد لا تنفرد بها الدول النامية، بل ربما نجدها «حتى» في معظم الدول المتقدمة.
والذي ينبغي علينا كمجتمع متحضر ألا نقبل بثقافة وشائعة أن موظف القطاع العام هو الأقل أداء، ونعمل على تطويره وإشباع رغباته واحتياجاته. فكل الأعمال مرتبطة بأداء الأجهزة الحكومية، وإذا تطور أداء موظف الحكومة تطور كل شيء.. ليس هذا في دولة من دون أخرى، ولكنه في الدول النامية أكثر أهمية، لأن الحكومات بالدول النامية هي المحرك الأساسي لدورة الأعمال ومعظم الشؤون الحياتية للمجتمع. وأهم ما يجب أن نعمل عليه ألا نسمح بتسرب الموظف الحكومي الجيد للقطاع الخاص! فقد لفت انتباهي الحديث الذي أدلى به الأستاذ إبراهيم البغدادي نائب رئيس ديوان المراقبة العامة المساعد للمراجعة المالية، بمناسبة تدشين الندوة السنوية التاسعة للديوان حول موضوع: «دور ديوان المراقبة العامة في تقويم الأداء وتحقيق مفهوم الجودة الشاملة» (في 30-4-2012).. وذكر فيه أن هناك تسربا وظيفيا في ديوان المراقبة العامة، مرجعا السبب إلى ضغط وحجم عمل الديوان الكبير، وعدم وجود حوافز، والعمل الروتيني. ولنبحث: لماذا لا تتطور الأجهزة الحكومية لتواكب حاجة العمل، على الرغم من الإمكانات المتاحة لها وأهمية الدور المنوط بها؟! ما الذي يمنع الأجهزة الحكومية أن تمنح رواتب ومكافآت تحفز موظفيها الأكفاء على البقاء وعدم التسرب؟! فالعمل الحكومي لا يقل أهمية عن أعمال القطاع الخاص، والحكومة لا ينقصها الإدراك بأهمية الإبقاء على الطاقات البشرية الجيدة، كما أن الحكومة لا تنقصها الإمكانات المادية للصرف على هذه المؤهلات الجيدة. يحكي أحد كبار المسؤولين الحكوميين، أنه عندما يقارن راتبه براتب أقل موظف بالشركات المنفذة للمشاريع التي تشرف عليها وزارته يجد فجوة كبيرة غير مبررة! فما الذي ننتظره من هذا الواقع المتسبب في العزوف عن الوظيفة الحكومية؟! ونحن نعلم أن سبب كل ذلك هو مجرد التمسك بحرفية نصوص الأنظمة والروتين والتعقيدات التي ما أنزل الله بها من سلطان، ومعظمها صدرت بوقت سحيق وهي اليوم تطبق بعد أن عفا عليها الزمن وتحتاج «فقط» إلى من يعلق الجرس لتطويرها لتتطور معها الأجهزة الحكومية وبيئة المال والأعمال.
والذي أود التأكيد عليه.. أن مثل هذا التصريح من شخص قريب جدا من واقع الحال في الأجهزة الحكومية يعد دليلا قاطعا على أن الأجهزة الحكومية بحاجة إلى تطوير.. وأن الوقت الذي يمر وهي على ما هي عليه وقت ضائع وخسارة على المجتمع والحكومة.
90% من موظفي الدولة هم كأصحاب حافز من دون واسطات