في الآونة الأخيرة تكررت شكوى قطاع الأعمال السعودي من بطء الأجهزة الحكومية في تنفيذ مشاريعها وتفشي البيروقراطية بين المسؤولين، نحن في أمس الحاجة إلى جهاز مراقبة كفاءة الأداء في أجهزتنا الحكومية
تُقاس مصداقية الدول بمقدار احترامها لخططها الاستراتيجية والتزامها بتنفيذ مشاريعها بكفاءة ومهنية. وتتضاعف الثقة بالدول التي تضمن حقوق قطاعها الخاص وتسعى لتأمين المناخ التنظيمي اللازم لأعماله. وتحقيقاً لهذه الأهداف أنشأت معظم الدول أجهزة متخصصة تتبع السلطة العليا في الدولة لمراقبة كفاءة أداء أجهزتها وضمان تنفيذ مشاريعها الاستراتيجية.
على مدى يومين ناقش ملتقى الخبراء بمحافظة جدة في الأسبوع الماضي أسباب تعثر المشاريع الهندسية في السعودية التي تجاوزت قيمتها 1000 مليار ريال سعودي، تعادل 65% من قيمة الناتج المحلي الإجمالي السعودي و4 أضعاف قيمة الصادرات السعودية السنوية غير النفطية.
تزامن هذا الملتقى مع إعلان مؤشر كفاءة أداء الخدمات اللوجستية العالمي لعام 2012، الصادر عن البنك الدولي، والذي يضم 155 دولة، حيث تصدرت دولة سنغافورة المؤشر بنسبة أداء وصلت 100% وجاءت هونج كونج في المرتبة الثانية عالمياً بنسبة أداء بلغت 99,9% تلتها فنلندا بنسبة أداء 97,6% ثم ألمانيا بنسبة 97,0% وهولندا 96,7% والدنمارك 96,6% وبلجيكا 95,3% ثم اليابان 93,8% وأميركا 93,7%، في حين جاءت بريطانيا في المرتبة العاشرة بنسبة 92,7%.
وعكست نتائج المؤشر، الذي يجرى كل عامين تحت عنوان "تواصل من أجل التنافس في الاقتصاد العالمي"، تحسناً قوياً في كفاءة الأداء لبعض الدول العربية، حيث صعدت دولة الإمارات 7 مراكز لتحتل المرتبة 17 عالمياً والأولى عربياً، متقدمة بذلك على الصين وتايوان وأستراليا وإسبانيا وكوريا والنرويج. وجاءت قطر في المرتبة الثانية عربيا و33 عالميا، تلتها السعودية في المرتبة الثالثة عربيا و37 عالمياً ثم تونس في المرتبة 41 عالمياً والبحرين في المرتبة الخامسة عربياً والمركز 48 عالمياً، والمغرب في المرتبة 50 عالمياً، ثم مصر في المركز 57 عالمياً، وسلطنة عُمان التي جاءت في المرتبة 62 عالمياً، في حين جاءت الكويت في المركز 70 عالميا، واحتلت الجزائر وليبيا والعراق والسودان وجيبوتي مراكز متدنية في التصنيف العام.
وأشار تقرير البنك الدولي إلى أن البلدان التي لديها أفضل أداء في الخدمات اللوجستية يمكن أن تنمو بشكل أسرع وتصبح أكثر قدرة على المنافسة وزيادة مستوى الاستثمار، مما يعود بالفائدة على المستهلكين من خلال انخفاض الأسعار وتحسين جودة الخدمات.
في هذا المؤشر كان تقييم كفاءة الأداء يقارن بين قدرة المسؤول المؤهل على تحمل المسؤولية ومدى وفائه بعهوده التي قطعها على نفسه لدى تعيينه لتنفيذ الخطط الاستراتيجية المطلوبة منه. كما كان التقييم يعتمد على كفاءة الجهاز الوطني الذي يرأسه هذا المسؤول في حل المشاكل والعثرات التي تواجه مشاريعه. وهذا يعني أنه يتحتم على الدولة متابعة نتائج أعمال هذا المسؤول دورياً للتأكد من كفاءة أدائه وتقييم مستوى نجاحه وقدرته على اجتياز الظروف الاستثنائية المحيطة بمشاريعه. كما يرتكز التقييم على سلسلة من المعايير التي من أهمها قدرة المسؤول على تنفيذ مشاريع جهازه في الوقت المناسب، ومدى إحساسه بالمسؤولية الملقاة على عاتقه، وقدرته على تجنب الفشل واحترام رؤية الدولة وأهدافها الاستراتيجية. لذا انعكست العلاقة القوية بين كفاءة أداء الأجهزة الحكومية وتحقيق متطلبات التنمية على تحسين خدمات القطاعات في ظل البيئة التنافسية العالمية التي تشتد حدة وصعوبة عاماً بعد آخر.
في الآونة الأخيرة تكررت شكوى قطاع الأعمال السعودي من بطء الأجهزة الحكومية في تنفيذ مشاريعها وتفشي البيروقراطية بين المسؤولين، مما أدى إلى قيام منتدى الرياض الاقتصادي بإجراء دراسة مستفيضة لتقييم مستوى كفاءة أداء الخدمات في هذه الأجهزة باستخدام منهجية علمية لتحديد نقاط الضعف والقوة وأساليب العلاج لضمان تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة.
تناولت الدراسة التجارب الدولية الناجحة في مجال تطوير كفاءة أداء الخدمات في أجهزتها الحكومية. تميزت كافة التجارب بوجود جهاز مراقبة كفاءة الأداء.
التجربة الكندية لجأت إلى وضع خطة للإصلاح اتسمت بمنح نواب الوزراء حرية أكبر ومحاسبتهم على نتائج أعمالهم، بالإضافة لتبسيط وتجديد الأساليب الإدارية والاهتمام بالعنصر البشري والتقني وتشجيع الإبداع والتميز لتحسين جودة الخدمات وتطبيق معايير ومؤشرات قياس الأداء. وقامت التجربة النيوزيلندية على إعادة هيكلة القطاع الحكومي وتحديد المسؤوليات والصلاحيات والاختصاصات للسلطات الإدارية، ووضع أهداف محددة وواضحة لكل جهاز حكومي والتركيز على المخرجات والنتائج المستهدف تحقيقها وفق الآليات التنفيذية المحددة، وتبني نظام فعال للمساءلة.
أما التجربة السنغافورية فقد تميزت بالميكنة السريعة لتسهيل الإجراءات الإدارية، مما ساهم في تحسين جودة وسرعة الخدمات وسهولة متابعتها ومراقبتها وتزويد موظفي الخطوط الأمامية بالمهارات السلوكية اللازمة للتعامل مع المواطنين للاستحواذ على رضاهم.
وجاءت التجربة الماليزية لتتبنى شعار ثقافة التميز وأهمية عنصري الجودة والكفاءة في الأداء، حيث تم التركيز على إصلاح الأنظمة التشريعية وتحسين الإنتاجية والنوعية وتنفيذ عدد من الإجراءات الخاصة بتقديم الخدمات عن بعد، واستخدام برامج الإدارة بالقدوة وتبني أخلاقيات العمل المستمدة من الشريعة الإسلامية، مع زيادة وتفعيل أنظمة الرقابة والمساءلة والمحاسبة والانضباط والشفافية.
وتميزت تجربة الإمارات بتبني الدولة لاستراتيجية تحديث نظام الخدمة المدنية وإعداد برامج التدريب لقيادات الصف الثاني وإنشاء وحدة للتخطيط الاستراتيجي بكل وزارة لكي تكون مسؤولة عن تطبيق برامج محددة ومتوافقة مع الأهداف الاستراتيجية للدولة، وكذلك إنشاء هيئة متخصصة لتطبيق مفهوم الحكومة الإلكترونية وإلغاء الازدواجية وإنشاء نافذة موحدة ومجمعة للخدمات.
نحن في أمس الحاجة إلى جهاز مراقبة كفاءة الأداء في أجهزتنا الحكومية.