الاقتصاد السعودي لا يعمل بكل طاقته

20/05/2012 4
محمد العنقري

تجاوز الناتج المحلي السعودي حاجز ألفي مليار ريال لأول مرة في العام الماضي ويتوقع أن يحقق رقمًا قياسيًا جديدًا هذا العام أيضًا إلا أن أكثر من نصف هذا الناتج يأتي من ارتفاع إيرادات النفط

وتنعكس هذه الإيرادات على نسبة كبرى من دور القطاع الخاص بالناتج المحلي من خلال الإنفاق الحكومي الكبير على المشاريع

وبالرغم من تحقيق هذه الأرقام الكبيرة بالناتج المحلي فإن ما يقارب مليون مواطن ومواطنة تم قبولهم ببرنامج حافز يشكلون قرابة 23 بالمائة من حجم القوى العاملة السعودية البالغة 4.5 مليون موظف، وتدلل هذه الأرقام المرتفعة للباحثين عن العمل أن القنوات التي تتيح لهم الدخول لسوق العمل والاستفادة من الفرص التي يتيحها الاقتصاد من خلال الإنفاق الحكومي تشهد خللاً بالوقت الذي يتم استقطاب مئات الآلاف من الوافدين سنويًا ويضاف بذات الوقت قرابة مائة ألف شاب وشابة سعودية لسوق العمل من خريجي الجامعات والكليات والمعاهد الفنية والتقنية، وتتذرع الكثير من الآراء والدراسات بضعف مخرجات التعليم وعدم ملائمتها لسوق العمل وبنفس الوقت تشير الاحصاءات إلى أن الوافدين للعمل كثير منهم غير مؤهلين ويتدربون في المملكة على رأس العمل.

ومن خلال النظر لعامل البطالة يتضح أن جزءًا كبيرًا من طاقات الاقتصاد معطلة فهذه القوى البشرية يفتقد تأثيرها الاستهلاكي الذي يحفز على زيادة الإنتاج وكذلك الاستثمار والادخار بالوقت الذي تستنزف أموال من الإيرادات العامة من خلال تحويلات العمالة الوافدة للخارج مع إضافة تكاليف برنامج حافز فتصبح الخسارة مضاعفة مع الأخذ بعين الاعتبار الخسارة غير الملموسة من خلال تعطيل قدرات بشرية كبيرة أنفقت الدولة على تعليمهم عشرات المليارات دون أن ينعكس ذلك على الاقتصاد من خلال دورهم بالعملية الإنتاجية فيكفي أن نذكر أن تكلفة الطالب الجامعي بالجامعات الحكومية تتخطى بعض التخصصات مائة ألف ريال سنويًا بحساب ما توفره الجامعات لهم من إمكانات لإتمام متطلبات تعليمهم.

أما في الجانب الآخر للطاقات المعطلة فهو تأخر صدور أنظمة الرهن والتمويل العقاري الذي سيلعب دورًا بارزًا بتنشيط سوق بناء المساكن ويتوقع أن يضخ سنويًا بهذا السوق الكبير قرابة ثمانين مليار ريال سنويًا التي بدورها ستولد آلاف فرص العمل سنويًا وتشجع على ضخ استثمارات هائلة في نشاط مواد البناء وصناعة الأثاث والمقاولات والتسويق والتمويل وغيرها من الأنشطة التي تخدم القطاع ويضاف لذلك تأثيره الإيجابي على خفض التضخم بزيادة المعروض السكني والتأثير الإيجابي على استقرار الأسر

كما تأخر أيضًا صدور نظام الشركات الذي سيسهم بدور كبير في هيكلة قطاع الأعمال وضخ الاستثمارات وتوطين الأموال والقضاء على التستر وبناء قطاع أعمال أكثر انضباطًا والتزامًا بالحوكمة مما يخفض من حجم تعثر الشركات ويحافظ على جودة الأصول بالاقتصاد الوطني ويعطي القطاع الخاص دورًا أكبر في التنمية الاقتصادية وتكوين منشآت تخدم الاقتصاد وتستفيد من الفرص الواسعة فيه.

كما أن التوسع في الدور الرقابي للأجهزة الحكومية سيلعب دورًا بإنجاز المشاريع الحكومية في الوقت المحدد ويمنع هدر الوقت والمال ويخدم المستفيدين منها دون أن يلعب تأخيرها باستمرار توجههم لمدن أخرى للحصول على الخدمة فتأخر بناء مستشفى بمدينة ما يعني أن يستمر المرضى بالسفر لأقرب مستشفيات للعلاج وهذا يتسبب بهدر للمال والطاقة وتأخر التوظيف ومعاناة اجتماعية وضغط على خدمات النقل وارتفاع بإجازات الموظفين المسافرين وتعطيل لمصالح المواطنين بتلك المدن.

كما أن تعثر المشاريع دون أسباب مقنعة نتيجة خلل بتركيبة قطاع المقاولات أو قصور بنظام المشتريات الحكومي حسب ما تشير الكثير من آراء المختصين بقطاع المقاولات يربك الخطط التنموية ويضعف تأثيراتها الإيجابية وتضطر معه الجهات المعنية بالتخطيط أن تعيد بناء خططها المستقبلية متضمنة مشاريع يفترض أن تنجز بأوقات سابقة مما يزيد الضغط على اعتماد مخصصات للمشاريع نظرًا لتغير التكاليف ويرفع من حجم الأعمال المطلوب إنجازها بالمستقبل لتلبية الطلب من النمو السكاني.

إن البحث بالطاقات المعطلة بالاقتصاد المحلي قد يأخذ العديد من الجوانب الأخرى لكن المهم هو الإسراع بتفعيل كل الإمكانات التي تسهم برفع حجم الإنتاج المحلي وتنشيط تدفق الاستثمارات وتشغيل المزيد من القوى العاملة مع الإشارة إلى أن عجلة الاقتصاد الوطني تسير بخطى ممتازة قياسًا بالأوضاع الاقتصادية العالمية السلبية السائدة.