أوروبا بعد هولاند

09/05/2012 0
محمد العنقري

فارق ضئيل أزاح به المرشح الاشتراكي فرنسوا هولاند الرئيس ساركوزي وليدخل الرئيس الاشتراكي الجديد قصر الاليزيه بعد غياب لهم دام سبعة عشر عاماً ويعد ساركوزي الرئيس الفرنسي الثاني في الجمهورية الخامسة الذي لم يستطع أن يفوز بفترة رئاسية ثانية بعد جيسكار ديستان.

وبنفس الوقت يعد ساركوزي الضحية السادسة عشر لأزمة الديون السيادية الأوربية حيث غيرت خمس عشرة دولة حكوماتها منذ بداية الأزمة.

واستقبلت الأسواق فوز هولاند بتشاؤم كبير وتراجع اليورو أمام الدولار الأميركي وبدأت التوقعات السلبية لمستقبل منطقة اليورو هي الطاغية على الساحة الدولية .

سارع الرئيس الجديد للتصريح بأنه سيدعم استقرار منطقة اليورو ولكن ألمانيا الشريك الأكبر لفرنسا بقيادة المنطقة رحبت بفوزه ولكنها استبقت زيارته لها بأن اتفاقية الانضباط المالي غير قابلة للنقاش وهنا تكمن المشكلة؛ فالرئيس هولاند يريد خططا لدعم نمو منطقة اليورو وهذا يتناقض مع اتفاقية الانضباط المالي التي ترتكز على التزام كل الدول بمعايير الوحدة النقدية والتي حددت سقف الدين العام وكذلك الحد الأعلى للعجز بموازنات دول اليورو فأي سياسة إنفاقية لحكومة فرنسا الجديدة تعني مخالفة للاتفاقية وهذا بدوره سيفتح الباب لانهيارها من بقية الدول خصوصا التي تعاني من الأزمة.

ومن المنطق القول بأن خطة هولاند بضرورة دعم النمو الاقتصادي صحيحة لأن التركيز على النمو الاقتصادي يعني فتح فرص عمل وزيادة بالاستهلاك والإنفاق الاستهلاكي مما ينعكس على ميزانية فرنسا إيجابا نظرا لارتفاع عوائد الضرائب رغم أن بداية الخطة ستزيد من إنفاق الحكومة الفرنسية وهذا بدوره سيرفع الدين العام والذي يبلغ حالياً 86? وقد يسهم ارتفاع الدين العام ببقاء تقييم فرنسا الائتماني منخفضا وقد يشهد مزيدا من التراجع.

وتعاني دول اليورو الآن من مشاكل اقتصادية معقدة فإسبانيا دخلت مرحلة الركود رسميا واليونان تعيش كساداً وقد تخرج من منطقة اليورو بعد الانتخابات التي رفعت تمثيل أحزاب مناهضة لخطة التقشف مما يعني تقويضا لكل الجهد الذي بذل لإنقاذها، لكن فوز هولاند برئاسة أكبر دول أوروبا سياسيا وعسكريا وثاني أكبر اقتصاد فيها سيلعب دورا بارزا في توجيه الجهود لحل الأزمة الاقتصادية العاصفة بدول اليورو نحو التركيز على النمو والاهتمام بالطبقات المتضررة من الأزمة على حساب الأثرياء الذين سيتحملون جزءًا من تكلفة الحلول برفع الضرائب عليهم، إلا أن أبرز ما قد يحدثه فوز هولاند هو تخفيف دور ألمانيا بقيادة أوروبا اقتصاديا لصالح المجموعة ككل وسيكون تصحيح واقع المنطقة اقتصادياً مهما كان الثمن هو الاحتمال الأقرب لواقع أوروبا الجديدة وسيترتب عليه تغييرات سياسية واسعة بنهج دول اليورو ومعايير البقاء تحت مظلة اليورو ستختلف فلن يكون الحفاظ على بقاء تشكيلة الدول حالياً ذا أولوية فالمهم أن يبقى القادر على الاستمرار أو دخول لمن يعد داعما لقوة اليورو عالمياً مما سينعكس على دور أوروبا بالسياسات الدولية.

إن الوقت أمام دول اليورو لكي تأخذ وضعها بقيادة العالم مع بقية القوى الحالية كأميركا أو الصاعدة كالصين أو حتى دول البريك مجتمعة لم يعد طويلاً فالعالم يتجه بتسارع نحو التكتلات القوية وفرصة أوروبا أكبر من غيرها لتعزيز مكانة تكتلها إلا أنه أصبح يواجه واقع الإشكاليات التي شابته بعد إقرار الوحدة النقدية وأظهر حجم الاختلافات السياسية والاقتصادية والاجتماعية مما يعني أن الاتحاد الأوروبي دخل مرحلة جديدة تتطلب تصحيحا شاملاً لكل مكامن الخلل فيه ففوز هولاند هو ليس تغييراً لشخص بقدر ما هو تغيير في النهج السياسي لفرنسا التي تعد رائدة التأثير في التغيير العالمي.