أجمع خبراء الاقتصاد والمال في تشخيصهم للأزمة المالية العالمية الراهنة وأسبابها الكامنة على أن جوهر الأزمة تمثل في غياب الرقابة الفعالة بشقيها وهما انعدام رقابة الدولة وضعف الرقابة الداخلية لهذه المؤسسات والشركات وعدم متابعة أنشطة الشركات الاستثمارية والمؤسسات المالية والمصارف ، ومن ثم قيام هذه الجهات وبحرية بالغة الغرابة بتقديم التسهيلات وخاصة في قطاع العقارات مما بلغ بها درجة التشبع وهبوط قيمتها ومن ثمّ تكدس الأصول المجمدة وصعوبة تسييلها وبالتالي (فقدان السيولة) وانفجار الأزمة التي بدأت بانهيار احد أكبر البنوك الاستثمارية في العالم ( ليمان براذر/ نيويورك) ولحق به على الفور ميريل لينش ،وما لبثت أن انتقلت العدوى إلى المؤسسات المالية الكبرى مثل سيتى جروب وبنك أوف أمريكا والشركات العملاقة مثل AIG ومن قبلهم اكبر شركتين للرهن العقاري فاني ماى وفريدي ماك وفقا لنظرية الأواني المالية المستطرقة لتقطع الأطلسي بسرعة البرق وتنتقل إلى البرّ الأوروبي ومنه لأسواق أسيا والخليج العربي وليصبح الحل الأوحد أمام هذا الزلزال المدمر خفض الفائدة إلى الحد الأدنى لتقترب من الصفر وضخ حوالي إلفي مليار دولار في بنوك أميركا وأوروبا حسب خطط الإنقاذ التي تبنتها الدول المتضررة لتوفير السيولة وتهدئة الاحتقان وتخفيف حدة التوتر الحادث غير المسبوق في الأسواق العالمية.
واكتملت فصول هذه المأساة الرقابية إن صح التعبير بأكبر عملية نصب واحتيال في وول ستريت إن لم تكن في التاريخ بعملية الاحتيال المتهم فيها برنارد مادوف بقيم تجاوزت 50 مليار دولار والتي تعتبر اكبر دليل على غياب الرقابة وانعدام الضوابط فكيف يستطيع شخص بمفرده القيام بمثل هذا العمل وتكمن المفارقة أن من تم الاحتيال عليهم شخصيات وصناديق استثمار ومؤسسات مالية عملاقة لديها إمكانات كبيرة وأعداد هائلة من الموظفين في كافة الإدارات ولديها من الإجراءات والسياسات والمعايير والضوابط الكثير ولكن للأسف غير مفعلة أو لنقل غير مستخدمة وهنا يكمن الخطر إذ تصبح اقرب ما تكون إلى الديكور منها إلى الضوابط الرقابية الفعالة وذات الكفاءة .
واذا ما نظرنا فى عالمنا العربى وعلى مستوى القطاع الحكومى او القطاع الخاص، فاننا نجد ان تقارير الجهات الرقابية مثل ديوان المراقبة او الجهاز المركزى للمحاسبات توضع فى الادراج او على الارفف دون النظر لما تحويه من مخالفات بالملايين ان لم يكن اكثر ودون وجود الحساب العسير لمن يرتكب المخالفة بل دون وجود حساب اصلا !!! بل يطلق على موظفى الجهات الرقابية انهم معقدين وان القافلة تسير دون التفات الى حرمة المال العام ودون التفات الى عظم المخالفة وانها تخص اموال الدولة وبالتالى فان الجريمة تصبح اعظم واخطر.
وفى القطاع الخاص نسمع كل يوم عن سرقات بالملايين واختلاسات واموال مهدرة وبالرغم من هذه الشركات والمؤسسات تتعامل بالملايين فلا تجد لديها موظف واحد للرقابة الداخلية او للمراجعة الداخلية وان وجد فدائما ما يشتكى صاحب الشركة من كثرة مصاريف موظفى الرقابة الداخلية وانهم يمثلون عبء على الشركة واول الاقسام التى يصيبها التقليص عند اشتداد الازمات هى ادارة المراجعة الداخلية !!!.
او تجد ان بعض اصحاب الاعمال يتعلل بانهم موجودون منذ زمن ولم يكتشفوا سارقا او لم يمسكوا حرامى !!! وينسى او يتناسى ان شركته لم تضع نظاما فعالا للرقابة الداخلية تمنع به او تحد من حدوث هذه السرقات والاختلاسات وان الامور تسير دون وجود ولو من بعيد للضوابط والاجراءات الرقابية السليمة . بل ان الاحساس بخطورة انعدام هذه الضوابط والاجراءات الرقابية غير متوفر بل ويذكروا ان المخاطرة عندهم تساوى صفر Risk free . وهذا من اشد الامور خطورة بل ان بعضهم صبر على وجود موظف مختلس سنوات ولم يصبر على وجود مراجع لديه ايام او اشهر.
ووفقا للخبراء ورجال الرقابة فان المطلوب العاجل في ظلّ هذه الأزمة الخانقة التي ألقت بظلالها الكالحة على أسواق العالم أجمع هو المراجعة الجادة لإستراتيجية الاقتصاد وبنية النظام الأقتصادى العربي الراهن والنظام المالي وما يتطلبه الإصلاح من وضع ضوابط وقيود والعودة إلى رقابة الدولة التي توارت بل غابت.
بل الأدهى والأشد هو غياب دور الرقابة الفعالة وغياب إجراءات وقواعد الضبط الداخلي وها قدأصبحت المؤسسات المالية العالمية تسير دون مراعاة لأبسط قواعد الرقابة وإدارة المخاطر التي صارت واضحة إلا على من يقومون بهذه الأعمال. وتم منح الائتمان دون ضابط أو رابط ودون الالتزام باى معايير أو قواعد أو إجراءات رقابية معقولة وفعالة .
ان من اهم تبعات هذه المرحلة هو بناء جهاز رقابى قوى وكفء على اساس علمى سليم ومدعم بالكفاءات العلمية والمهنية والخبرة ( يا ابت استأجره, ان خير من استأجرت القوى الامين )