أنظمتنا تفرض علينا ممارسة المنافسة، فضبط الأسعار والحد من ارتفاعها لن يتحقق إلا من خلال زيادة فتح الأسواق لإثراء المنافسة العادلة وفك الاحتكار
كشفت وزارة التجارة والصناعة السعودية عن انتهائها من وضع خطة تستهدف الحد من ارتفاع الأسعار ومحاربة الاحتكار في السوق المحلي. وتزامن هذا التصريح مع خبر ارتفاع مؤشر تكلفة المعيشة خلال شهر فبراير الماضي بنسبة 5.4% مقارنة بنظيره من العام الماضي، وذلك بسبب الارتفاع الذي شهدته 7 مجموعات رئيسية من مكونات الرقم القياسي لتكلفة المعيشة.
المؤشر سجل ارتفاعاً بنسبة 9.3% في مجموعة الترميم والإيجار والوقود والمياه، وبنسبة 8.1% في مجموعة السلع والخدمات الأخرى، وبنسبة 4.3% في مجموعة الأطعمة والمشروبات. كما شهدت مجموعة التعليم والترويح ارتفاعاً بنسبة 3.6% ومجموعة التأثيث المنزلي بنسبة 3.2% ومجموعة الأقمشة والملابس والأحذية بنسبة 2.7% وكذلك مجموعة النقل والاتصالات بنسبة 2.3%، فيما بقيت مجموعة الرعاية الطبية عند مستوى أسعارها السابق ولم يطرأ عليها أي تغيير يذكر.
ضبط الأسعار والحد من ارتفاعها لن يتحقق إلا من خلال زيادة فتح الأسواق لإثراء المنافسة العادلة وفك الاحتكار.
خلال مناقشة تقرير الوزارة السنوي في الأسبوع الماضي، طالب أعضاء مجلس الشورى السعودي بضرورة قيام وزارة التجارة والصناعة بتحديد أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية على أساس عادل لا يضر بالتاجر والمستهلك. وهذا المطلب يتعارض صراحةً مع نصوص أحكام نظام حماية المنافسة ولا يفي بالغرض المنشود.
للاحتكار ثلاثة أنواع: الأول: احتكار القِلَّة، حيث يقوم عدد قليل من المنتجين والبائعين باحتكار سلعة محددة لتمكينهم من التأثير في أسعارها. والثاني: الاحتكار التبادلي، حيث تقوم مجموعة من المنشآت بإنتاج وبيع سلعة محددة ليحتكر شراءها تاجر واحد بسعر متفق عليه بالمساومة المتبادلة بين البائع والمشتري. والثالث: الاحتكار الكامل، وفيه تقوم المنشأة الواحدة باحتكار إنتاج سلعة محددة وبيعها دون أن يوجد لهذه السلعة بديل في الأسواق المحلية والعالمية.
وللمنافسة نوعان: منافسة مباشرة تنحصر بين المنشآت القائمة في القطاع الواحد، ومنافسة غير مباشرة تطال المنشآت القائمة في جميع القطاعات لتعظيم استفادتها من الموارد المتاحة في الأسواق. وتقاس المنافسة بنوعيها من خلال كفاءة أداء المنشآت ووسيلة نفاذها في السوق مقارنة بنظيراتها.
أما التنافسية فهي ثلاثة أنواع: الأول يختص بالمنتج ويعتمد على أسعار مواده الأولية وتكلفة إنتاجه كمعيار وحيد للتقييم، دون الدلالة على جودته وخدماته المصاحبة. والنوع الثاني يختص بالمنشآت ويعتمد على تكاليف كافة منتجاتها وإجمالي أعبائها المالية. والنوع الثالث يختص بعامل الوقت ويعتمد على النتائج الإيجابية المحققة للمنتج أو المنشأة خلال دورة محاسبية محصورة بزمن محدد ناتج عن ظروف جعلت المنتج أو المنشأة في وضعية احتكارية.
بسبب الفرق الشاسع بين المنافسة والتنافسية وعلاقتهما الوطيدة بالاحتكار، أصدرت منظمة التجارة العالمية اتفاقية إلزامية خاصة بحماية المنافسة العادلة من الممارسات التجارية الضارة، ومع ذلك ما زالت معظم الأسواق العالمية تعاني من هذه الممارسات لجهلها باتفاقيات العولمة، التي فرضت مفاهيم جديدة لتشجيع التنافسية وحماية المنافسة، لذا أصبح التزام الدول باتفاقيات العولمة أمراً أساسياً لنجاح أو فشل مبادىء حرية التجارة واقتصاد السوق، وحَتَمَ على منشآتها مواصلة العمل الدؤوب وتحسين موقعها في الأسواق المحلية والعالمية أثناء مواجهة منافسة نظيراتها، ليصبح نجاحها في تصدير منتجاتها أهم مؤشر على قدراتها التنافسية.
ولأن حرية التجارة تحتاج إلى تنظيم يحميها من الممارسات الضارة، أصدرت السعودية نظام حماية المنافسة برقم (م/25) وتاريخ 4/5/1425، الذي أكد في مادته الثامنة على ضرورة إنشاء مجلس مستقل لحماية المنافسة يكون مقره وزارة التجارة والصناعة.
منذ إنشائه قبل 8 سنوات، واستناداً لتقريره السنوي الثالث والأخير المنشور على موقعه الإلكتروني في عام 2010، سعى المجلس إلى حماية المنافسة العادلة وتشجيعها ومكافحة الممارسات الاحتكارية التي تؤثر على المنافسة المشروعة لزيادة تنافسية الاقتصاد الوطني وحماية المستهلك. ومن أجل ذلك عقد المجلس خلال هذه السنوات 21 اجتماعاً عادياً و3 اجتماعات استثنائية، اتخذ فيها جميعاً 57 قراراً واطلع على 54 تقريراً. كما نظر المجلس في 9 قضايا مرفوعة تنحصر في قطاعات الأغذية والمشروبات، البناء والتشييد، المواد الطبية، وتجارة السيارات، حيث صدرت قرارت حفظ لعدد 3 قضايا ومتابعة إجراءات التقصي وجمع الأدلة الخاصة بالقضايا الأخرى.
هذه النتائج الهزيلة لمجلس حماية المنافسة لا تتناسب مطلقاً مع مكانتنا الاقتصادية في مجموعة العشرين ومرتبتنا التجارية بين أكبر الأسواق العالمية. وحتى يكتسب أهميته الإستراتيجية ويحقق أهدافه بكفاءة وفعالية لا بد أن تتوفر لمجلس حماية المنافسة الاستقلالية الإدارية والمرونة المالية والكوادر الفنية المتخصصة.
يوجد في العالم 119 مجلسا متخصصا لحماية المنافسة، أشهرها في دول المجموعة الأوروبية الذي نظر في 9 قضايا خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري، بينما وصلت عدد القضايا المنظورة في العام الماضي إلى 236 قضية وأصدر بشأنها 102 قرار صارم، وفاقت غراماتها 3 مليارات يورو. وهنالك مجلس حماية المنافسة في كوريا الجنوبية الذي نظر في 3965 قضية منافسة غير مشروعة في العام الماضي وأصدر أحكاماً في 990 منها وتم ترحيل باقي القضايا للعام الجاري. ويعمل في هذا المجلس 1323 خبيراً في كافة التخصصات الاقتصادية والتجارية والمحاسبية والقانونية.
أسواقنا الاقتصادية الكبيرة تحتاج إلى مجلس للمنافسة لا يقل شأناً عن مجلس كوريا الجنوبية ودول الاتحاد الأوروبي. وأنظمتنا تفرض علينا ممارسة المنافسة بوسائل سليمة وعادلة، طبقاً للأعراف الشرعية والاتفاقات الدولية، للحد من ارتفاع الأسعار وحماية المستهلك من الاحتكار.