فوائد البنوك وأهميتها

31/03/2012 9
احمد سبح

الغاء أو حتى تقليل فوائد البنوك ، يعني خراب بيوت ملايين الأسر التي تعتمد عليها من أجل سد احتياجاتها ، فوائد البنوك ليست ربوية لأنهم ليسوا مرابين يجلسون على طاولة في محل ويستغلون حاجة الناس للطعام أو الشراب بل انهم يوفرون التمويل اللازم لرجال الاعمال والمستثمرين ليوسعوا أو لينشؤوا مصانع وشركات ويستصلحوا أراضي ويوفروا بالتالي فرص عمل بالآلاف والملايين لمجتمع يعاني من البطالة والفقر والعوز ، ثم يعيدون جزءً من هذه الفوائد والأرباح الى العائلات التي تعتمد على تلك الفوائد لسد احتياجاتها ، وكذلك سداد مرتبات العاملين والموظفين في البنوك والشركات والمكاتب الملحقة بها ، وبقية الأرباح تذهب الى المساهمين في هذه البنوك سواء في مجالس الادارات أو في البورصات والتي يعيدون استثمار جزء من أرباحهم في عجلة الانتاج والاقتصاد القومي .

نحن في مجتمع يختلف كلية عن مجتمع الرسول محمد صلى الله عليه وسلم والمجتمعات اللاحقة عليه حيث كانت المجتمعات محدودة ديموغرافيآ من ناحية عدد السكان والتوسع الجغرافي وكان كثير من الناس يعرفون بعضهم البعض ويعلمون من الصادق ومن الأمين الذين يمكن أن يستثمروا معهم أموالهم كعبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان وغيرهم من الصحابة ، وهو الوضع الذي لم يعد موجودآ اليوم فليس لأن هناك شخصيات مشهورة أو انها تحوز على الكثير من الجاه والمال والثروة فان ذلك يعد أمرآ كافيآ للثقة فيهم خاصة وأن أغلبهم اليوم اما في الحقيقة لصوص أو مرتشون أو فاسدون ومنهم من هم اليوم خلف القضبان بسبب ثرواتهم المهولة .

ولو أن كثيرآ من الناس وهم الأغلب الأعم لايفقهون في أصول التجارة والعمل الحر والصناعة وما الى ذلك من مجالات الاستثمار ولا يعلمون كيفية استثمار أموالهم على الوجه الصحيح ، أيتركون فريسة للطماعين والفاسدين والمتاجرين بالدين من أغلب أصحاب لا للفوائد البنكية والاتفاقات المسبقة على هامش ربحي معين وضمان لأصل رأس المال ، على الرغم أن أصحاب رؤوس الأموال لن يكونوا مشاركين في عملية ادارة رأس المال ومتابعته ، ولكن يكتفى بامكانية ابلاغهم أنه لم يتم تحقيق أرباح وأن أموالهم ضاعت ، فيتم افقارهم وضياع مدخرات عمرهم وتحويلهم الى عالة على المجتمع ومنهم من سيتجه الى السرقة والبلطجة والارهاب باسم الاسلام بل والحقد على الاسلام وعلى المسلمين .

ان الأصل في تحريم الربا هو منع استغلال حاجة الناس للعيش الكريم وتوفير أساسيات الحياة من مأكل وملبس ومسكن ، وهذا التحريم ليس مصروف لمن يريد أن يزداد غنى ومالآ ويمتلك الفلل والقصور ، فالبنوك عامة لا تعطي قروضآ للقراء والمساكين لأنهم ليسوا ذوي جدارة ائتمانية وبالتالي تنتفي أية امكانية لاستغلالهم ، بل ان البنوك تستطيع مع امكانية سن قانون وتشريع بذلك تستطيع أن تحول جزءً من أرباحها الصافية الى مشاريع خيرية أو تمويل بمشاركة في رأس المال مع مشروعات صغيرة ومتناهية الصغر حيث أنه في حالة فشل هذه المشاريع فان أصحاب رؤوس الاموال من العائلات والبنوك لن تعاني مراكزهم المالية ولن تتأثر .

وبالتالي تستطيع البنوك أن تنتشل أصحاب هذه المشاريع البسيطة من براثن الفقر والعوز والمساهمة في تحقيق الأمن والأمان للمجتمع من تحول بعض هؤلاء الى مجرمين وأفاقين ، وفي نفس الوقت تعمل بذلك على زيادة حجم وعمق الاقتصاد القومي والمساهمة في مكافحة البطالة وتوفير السلع والخدمات بأسعار أرخص للمجتمع ليستفيد الجميع في النهاية ، كما ان البنوك لاتغالي في فرض الفوائد على القروض بل انها تضعها وتفرضها بشكل مدروس بغية تحقيق الربح للجميع وامكانية نجاح المشروع وبالتالي سداد القرض وفوائده وانتفاع الجميع من مودعين ومقرضين ومقترضين .

كما أن المقترضين من رجال الأعمال والمستثمرين فكما هم مقترضين فهم أيضآ مودعين حيث يعيدون ايداع جزءٌ من أرباحهم لدى البنوك ليستفيدوا بدورهم من الفوائد المدينة لصالحهم والتي يدفعها البنك لهم ، وكل ذلك يتم في اطار عجلة دائرية فالجميع في النهاية ان صلحت النوايا والظروف والأعمال يكونوا جميعآ مستفيدين وينعمون بحياتهم ويوفرون فرص العمل والتقدم لغيرهم .

كذلك فان المقترضين من البنوك لن يقدموا على الاقتراض أصلآ الا بعد دراسة جدية وجدوى ناجعة منهم يقدمونها لادارة الائتمان في البنك ليحوذوا على القرض ، وهذه الدراسة ممهورة بتوقعاتهم شبه المؤكدة بأنهم سيحققون أرباح أعلى بكثير من الفوائد البنكية المفروضة عليهم .

ولكن من زاوية أخرى فان البنوك بحاجة الى مراجعة تخفيضية لأسعار الفوائد المفروضة على القروض الشخصية التي يحصل عليها بعض العملاء لشراء احتياجاتهم الشخصية من مسكن او سيارة أو سلع معمرة أو تغطية تكاليف تعليم بناتهم وأولادهم ، خاصة وأن تلك الأمور لا تحقق أرباحآ مادية حقيقية لأصحابها ، ويمكن ضمان القرض وفوائده من خلال مستندات تتعلق بالدخل أو ملكيات خاصة لعقار أو سيارة أو مجوهرات .

ويمكن من خلال التعاقد البنكي مع مجموعة مختارة من المحلات والمعارض والشركات بما يلزم العميل الحاصل على القرض بالشراء من هذه المجموعة من خلال كارت ائتماني خاص وتخصم قيمة المعاملات مباشرة من قيمة القرض ، وهو ما يضمن للبنك بشكل أكبر استغلال القرض فيما هو مخصص له ، والضمان المباشر والفوري لملكية البنك للمشتروات لحين سداد القرض وفوائده وحصول البنك على مزايا خاصة من هذه المجموعة من الشركات والمحلات من خلال فتحهم لحسابات خاصة بهم لدى البنك مقابل حصولهم على الحق الحصري من البنك بشراء عملاء البنك المقترضين لاحتياجاتهم من هذه المجموعة ، بالاضافة الى الدعاية لهذه المجموعة من خلال فروع البنك ، كما يستفيد العملاء المقترضين بالحصول على خصومات خاصة والاقتراض من البنك بتكلفة أقل .

ان فوائد البنوك ليست هي المتسببة في الأزمة المالية العالمية كما يدعي البعض من أصحاب فكر لا للفوائد البنكية ، وانماالمتسبب في هذه الأزمة هي مجموعة مخادعة من الأدوات والمشتقات المالية وما يعرف بعقود الخيارات المالية الخاصة بشراء وبيع حقوق متعلقة بشراء أو بيع سلع أو أوراق مالية في فترة زمنية لاحقة ويتم تداول هذه العقود في البورصات العالمية دونما عمل وانتاج حقيقيين مما يعني بيع وشراء هوائي لا أصل مكافئ أو حقيقي القيمة في غالب الأحيان أو تم مضاعفة قيمة الأصل على غير الحقيقة عشرات المرات نتيجة تداول هذه العقود والرغبة في المكسب السريع والجشع خاصة وأن المشرفين والمسؤولين على تصميم هذه الأدوات المالية ومتابعة تسويقها يتربحون من عمولات تسويقها والمتاجرة بها .

مما يدفعهم الى العمل على اتباع سياسات وبروتوكولات واطلاق اشاعات للنفخ في أسعارها ، ولكن في النهاية ما لا أصل ولاسند ولا أساس له لابد ان يقع شر الوقعة ولكن للأسف فان المخدوعين والبسطاء كما هي العادة في كل مجالات الحياة هم من يدفعون الثمن في النهاية .

فيحدث الانهيار تلو الانهيار لدرجة أن المقترضين والمنتجين الحقيقيين من أصحاب المصانع والشركات والمزارع والبنوك وكنتيجة حتمية لدورانية العجلة الاقتصادية يدفعون الثمن أيضآ بل ان أصحاب العقارات الذين اقترضوا من أجل شراء منازل لهم يجدون ونتيجة الانهيار الاقتصادية أن أسعار منازلهم لم تعد تعادل ما يدفعونه من فوائد للبنوك فيضطرون الى اعادة منازلهم للبنوك والبحث عن منازل أرخص وربما أكبر (هذا ان لم يكونوا قد فقدوا أعمالهم وتضرروا بشكل مباشر من الأزمة) مما كانوا يسكنون فيه بعد انهيار أسعار المنازل نتيجة الأزمة الاقتصادية التي تسببت فيها مجموعة من الجشعين معدومي الضمير من مخترعي الأدوات المالية التي لا أصل لها .

كذلك فان ذلك لايعني عدم أهمية البورصات ومحرومية التعامل فيها ولكن هذه المحرومية أو الخطورة البالغة تنصرف لأمثال تلك العقود والأدوات المالية بالغة الخطورة ولأمثال الاقتراض من أجل التداول في البورصة وخاصة وأن آثارها لا يدفعه فقط المتسببون بها وانما يدفع الجميع الثمن في شكل خسائر فادحة في البورصة حتى ولو كان في آخر العالم ولايعرف معنى كلمة البورصة ، فعلى سبيل المثال فان ركوب السيارة في حد ذاته ليس حرامآ ولكن استخدامها في ارتكاب جرائم أو ممارسة الرذائل فيها هو ما يعد حرامآ .

وكذلك فانه في النهاية لا يعني ذلك نفي مسؤولية البنوك من تحمل جزء من مسببات الأزمة فيما يتعلق بأزمة الرهن العقاري (لا بسبب فرض فوائد بنكية) ، فالبنوك كانت قبل الأزمة قد توسعت بشكل مبالغ فيه في اقراض الأفراد في مجال شراء العقارات بل انه وللمفارقة (ردآ على أصحاب لا للفواد البنكية) فان مشاركة البنوك في هذه الأزمة تأتى كرد فعل ونتيجة على فرضها (فوائد بسيطة في كثير من الأحيان) على القروض العقارية ، والأهم من ذلك تسهيل اجراءات الحصول (بما يخل في بعض الحالات بمبدأ الجدارة الائتمانية) على قروض الرهن العقاري مقابل رهن المنزل لصالح البنك لحين سداد كامل قيمة القرض وفوائده وهو بالمناسبة نفس المبدأ الذي تتبعه البنوك المعروفة باسم البنوك الاسلامية من خلال ما يعرف بعقود الاجارة ، مما سهل على كثيرين في الحالة الأمريكية من الحصول على قروض زهيدة الكلفة في حين أنهم لايتمتعون بالجدارة الكافية والملائمة .

ومن ناحية أخرى فان البنوك ملامة على أنها كانت توافق على اعطاء قروض لمنازل تم مضاعفة سعرها بشكل مبالغ فيه نتيجة موجة الازدهار الاقتصادي والعمراني وهذه المبالغة الغير منطقية ساهمت فيها كثير من البنوك أيضآ وبما لا يتناسب مع القيمة الحقيقية أو حتى شبه الحقيقية للمنازل والعقارات .

ان الفوائد البسيطة بشكل منطقي ومدروس ضرورية لتنشيط القطاع العقاري وتقريب حلم المسكن الخاص للمواطنين ولكن بضوابط ادارية معينة حتى لا تكون سببآ في موجة جديدة من الارتفاعات الغير مبررة لارتفاع أسعار المساكن تحت مبرر سهولة الحصول على قروض عقارية بتكلفة بسيطة وهذه الفوائد البسيطة لم تكن في حد ذاتها مشكلة قدر المشاكل المتعلقة بدراسات الائتمان وارتفاع أسعار المنازل المبالغ فيه ، مما كان نتيجته انهيار أسعار المنازل وحدوث موجة تصحيح منطقية لأسعار انفلتت من عقالها ، فلم يكن من الممكن استمرار الوضع على ذاك النحو الى ما لانهاية .

اننا يجب أن نفكر في مشاكل اليوم بعقلية اليوم لابعقلية الماضي البعيد طالما أننا نتمترس في طريق العدل والحرية والسلام وهو الطريق الذي أمرنا الله تعالى بالسير فيه دون مفارقته ، ولكن بأساليب عصرنا وثقافة أحوالنا ومجتمعاتنا ، فالعدل فكرة ومبدأ وغاية لا تتغير بتغير الزمان ولكن الطرق اليها تظل محصورة في الحتمية النسبية التاريخية ، لأن الوسائل التي كانت متبعة لتحقيق العدل قد لا تكون على نفس الدرجة من الاعتمادية والموثوقية اليوم لأن الله سبحانه وتعالى كتب لنا التطور والتقدم لا البقاء في الماضي ومكوث الزمان ، هذا ان أردت أن نقدم للعالم فكرآ دافعآ للمستقبل غير مستحث للعودة للماضي .