الدفاع عن مصالحنا ليس بالأحلام فقط

27/03/2012 4
د. فواز العلمي

قواعد وأحكام النظام التجاري العالمي تنادي بتشجيع الدول على استخدام مزاياها التنافسية، إلا أن بعض الدول التي تفتقر إلى هذه المزايا، ما زالت تعمل على إثارة موضوع تسعير الغاز الطبيعي السائل من خلال رفع دعاوى مكافحة الإغراق

في الأسبوع الماضي، تكللت بالنجاح جهود الأمير عبد العزيز بن سلمان، مساعد وزير البترول والثروة المعدنية لشؤون البترول، في الدفاع عن مصالحنا الحيوية وإسدال الستار على جميع قضايا مكافحة الإغراق القائمة والمرفوعة ضد منتجاتنا البتروكيماوية، والتي كان آخرها القضية التركية ضد منتجات شركة سابك من مادة "بولي إيثلين".

بعد مضي 6 سنوات على انضمامنا لمنظمة التجارة العالمية، وصل عدد قضايا مكافحة الإغراق المرفوعة من قبل أمريكا والاتحاد الأوروبي وكندا والهند وتركيا والصين وباكستان وغيرها ضد منتجاتنا البتروكيماوية إلى 17 قضية.

من المستغرب حقاً أن الدول التي ترفع أكبر عدد من هذه القضايا تعتبر من أوائل الدول التي تعتز بتأسيس النظام التجاري العالمي، وذات الباع الأطول في صياغة أحكامه وقواعده. كما تفتخر بأنها أكثر الدول علماً باتفاقياته وأعمق خبرةً بمعاييرها الصارمة والإلزامية المفروضة على كافة الدول الأعضاء بالمنظمة.

المادة (2-1) من اتفاقية مكافحة الإغراق حصرت السلع الإغراقية بتلك التي يقل سعر تصديرها عن سعر بيعها في الدولة المصدّرة، أو تلك التي تباع في الأسواق العالمية بأقل من تكلفة إنتاجها. كما حددت المادة (2-2) من الاتفاقية هامش الإغراق عن طريق مقارنة سعر تصدير السلع إلى دولة ما بالسعر المماثل لدى تصديرها إلى دولة ثالثة، أو بقيمة السلع الحقيقية على أساس تكاليف إنتاجها مضافاً إليها التكاليف الإدارية والتسويقية والأرباح.

وتوخياً لضمان العدالة في تطبيق أحكام مكافحة الإغراق، أكدت المادة (3) من الاتفاقية على ضرورة تقديم الدول للأدلة الدامغة التي تثبت، دون أدنى شك، بأن هامش الإغراق ألحق الضرر الجسيم بالصناعات الوطنية لهذه الدول، وإلا فلن يحق لها فرض رسوم مكافحة الإغراق إلا بعد التأكد من العلاقة السببية بين هامش الإغراق والضرر الجسيم.

منتجاتنا البتروكيماوية انفردت بقضايا مكافحة الإغراق لكونها الوحيدة من بين كافة المنتجات السعودية التي كانت تتمتع بالميزة التنافسية المشمولة بقرار مجلس الوزراء السعودي رقم 260 وتاريخ 23/10/1422هـ، الذي نسخ القرار السابق رقم 68 وتاريخ 29/5/1412هـ، القاضي بالموافقة على بيع الغاز الطبيعي السائل للمصانع البتروكيماوية الوطنية بأسعار تقل بنسبة 30% عن أسعار الغاز المصدّر للخارج.

وتم تحديد أسعار بيع الغاز الطبيعي السائل داخل وخارج السعودية طبقاً للاعتبارات التجارية التي تم الاتفاق عليها في وثائق انضمامنا بعد مفاوضات طويلة وشاقة مع كافة الدول الأعضاء في المنظمة.

ومع أن قواعد وأحكام النظام التجاري العالمي التي تمت صياغتها عبر نصف قرن تنادي بضرورة تشجيع الدول على استخدام مزاياها التنافسية، إلا أن بعض الدول الأعضاء في المنظمة التي تفتقر إلى هذه المزايا وتخشى على مستقبل صناعاتها البتروكيماوية من منافسة منتجاتنا السعودية، ما زالت تعمل على إثارة موضوع تسعير الغاز الطبيعي السائل من خلال رفع دعاوى مكافحة الإغراق ضد منتجاتنا البتروكيماوية.

وللدفاع عن مصالحنا الحيوية، سارع الأمير عبد العزيز بن سلمان وفريقه السعودي المختص إلى دحض تُهَمِ الإغراق التي ادعتها هذه الدول، وذلك حرصاً على الميزة التنافسية النظامية التي نتمتع بها، ودرءاً للقضايا الأخرى الأكثر خطورة، التي قد تثيرها هذه الدول والخاصة بأحكام المادة الثانية من اتفاقية الدعم والتدابير التعويضية. كما كانت هذه الدول تهدف إلى إثارة الشكوك حول الشركات السعودية المملوكة من الدولة، بما فيها شركة أرامكو السعودية، على أنها شركات حكومية لا تطبق مبدأ الاعتبارات التجارية، لكي يتم إخضاع هذه الشركات للمادة 17 من اتفاقية الجات، التي تنادي بضرورة الإفصاح عن أعمالها وطرق تسعير منتجاتها.

في نهاية العام الماضي صدر تقرير إدارة مكافحة الإغراق التابع لهيئة حسم المنازعات التجارية في منظمة التجارة العالمية. لأول مرة في تاريخ النظام التجاري العالمي تتربع الصين عرش أكثر الدول الممارسة للإغراق والمصدّرة للسلع الإغراقية في العالم. ولا غرابة في ذلك، فمعظم منتجات الصين تملأ أسواقنا وتتحايل على مواصفاتنا تحت غطاء اسمها التجاري الرنان "كل شيء بريالين".

منذ انضمامها لمنظمة التجارة العالمية قبل 10 سنوات، استأثرت الصين بأكثر قضايا الإغراق المرفوعة ضدها. فاق عدد المنتجات الصينية المتهمة بالإغراق في الأسواق العالمية 4000 منتج من كافة أنواع السلع الكهربائية والإلكترونية والبلاستيكية والغذائية والدوائية والمنسوجات والملابس. في العام الماضي فقط وصل عدد دعاوى الإغراق ضد الصين 500 قضية مرفوعة من قبل 30 دولة، ولتاريخه خسرت الصين 86% من هذه الدعاوى وما زال الباقي رهن القضاء التجاري الدولي، مما قد يكبد ميزانية الصين أكثر من 11 مليار دولار.

أما الهند التي كانت أكثر دول القارة الآسيوية تأثراً بالتباطؤ الاقتصادي الذي شهده العالم في الآونة الأخيرة، فلقد لجأت إلى رفع قضايا مكافحة الإغراق للحد من دخول المنتجات الأجنبية إلى أسواقها، مما يساعدها على تقليص الفارق في ميزانها التجاري السلبي. في الربع الأول من العام الماضي رفعت الهند 42 دعوى قضائية لمكافحة الإغراق، منها 34 قضية ضد الصين وقضيتان ضد السعودية لتخفيض واردات الهند من البتروكيماويات.

نحن في أمس الحاجة لإنشاء جهاز وطني رفيع المستوى وفريق مختص عالي الكفاءة والقدرة والمعرفة بأحكام النظام التجاري العالمي، وذلك للحد من أخطار القضايا الكيدية والسياسات الحمائية التي تستخدمها الدول بأساليبها الملتوية وأضرارها الجسيمة على صادراتنا البتروكيماوية.

الدفاع عن مصالحنا الحيوية.. لا يتحقق بالأحلام فقط.