الملاحظ في بيئات العمل الإداري ببعض الدول النامية.. أن هناك شعورا بالاستسلام لوجود الفساد الإداري والغش والرشوة، بحجة أنها ممارسات تتم في الخفاء وأن أساليب وحيل مرتكبيها تكون بتمويه محكم ومتقن مما يصعب معه اكتشافها! وهذا ما يسبب الفجوة بين رغبات وتوجهات معظم القيادة العليا وبين ما يحصل على أرض الواقع.
والسبب يكمن في ضعف آليات وبرامج العمل التي تفرض لمواجهة هذه الممارسات، وإذا فرضت فإنها لا تطبق كما يجب! والذي ينبغي ملاحظته هنا.. تشخيص المشكلة وتعريفها بدقة وعناية، ومن ثم حصر أسبابها الفعلية، وعرض البدائل المتاحة لمعالجتها واختيار المناسب منها، والالتزام بآليات المعالجة في جميع بيئات العمل.. وبالأخص منها ما له علاقة بالمجتمع كالمؤسسات الخدمية في القطاع العام والخاص.
ومن الآليات الناجعة المتفق عليها لمواجهة الفساد الإداري، وهي في ذات الوقت مبادئ أساسية في تصميم الأنظمة الإدارية وتشغيلها على الوجه المطلوب، تدوير العمل والتناوب على المناصب الإدارية، وهذا المبدأ يطبق على مستوى الوزراء ورؤساء الأجهزة والمصالح الحكومية. لكن التساهل يتم على مستوى الإدارات الوسطى «وبالأخص» في الأجهزة الحكومية، وهؤلاء هم الأهم، لأن بيدهم قرارات سير العمل. فعلى سبيل المثال، هناك مديرو بلديات يمضون عشرات السنين بفرع بلدية واحد! وترى الواحد منهم يبقى على رأس العمل «بشكل لافت» حتى في فترات الصيف.
وتراه يحرص على أن تكون فترات إجازاته قصيرة جدا بحجة الحرص على متابعة العمل، مدعيا أنه في غيابه لن يضمن حسن سير العمل.. ويتعلل بعدم وجود من يقوم مقامه! هؤلاء لماذا لا تكون هناك آلية نظامية للتناوب تنقلهم من موقع إلى آخر، ومن منصب مسؤول إلى منصب استشاري.. ويطلب من زميله تقييم العمل وكتابة ما يظهر له من ملاحظات، ليتضح للإدارة العليا حقائق ما يخفون؟!
والآلية الأخرى.. تكمن في مراجعة تنفيذ المشاريع من قبل جهات رقابية مستقلة ومحايدة ومؤهلة لتقييم مستوى الأداء. ويشمل ذلك تصميم نظم الرقابة الداخلية، لتتضمن حزمة من الإجراءات الرقابية التي تضمن تنفيذ مراحل المشاريع على الوجه المطلوب. كما أن مبدأ استقلالية الجهة الرقابية، شرط لا يمكن التساهل فيه. لكن الواقع أننا نجد في العديد من المنشآت الضخمة أن الإدارة الرقابية واقعة تحت سلطة الإدارة التنفيذية. ولذلك فإن القول بإمكانية استقلاليتها ضرب من الخيال! والعنصر الأساسي الآخر المهم لمواجهة الفساد الإداري يكمن في وجود إعلام فاعل. فالإعلام في المجتمعات المتقدمة يقوم بدور حيوي لكشف العديد من أعمال الفساد والمخالفات الإدارية، وحتى في دفع إجراءات التحقيق وتقديم المعلومات المهمة للسلطات الأمنية. بينما تجد المعتقد لدى السلطات الأمنية بالدول النامية أن الإعلام يجب أن يبعد «ويحيد» عن المحاكم وسير القضايا.. ولذلك فإن ما يعلن عن عقوبات إدارية وأحكام إدارية (عندما يعلن عنها) يكون شبه مفاجأة للمجتمع.
وختاما.. لماذا لا يوجد في كل جهة صندوق للشكاوى والمقترحات، يفتح بإشراف جهة مستقلة أو بمشاركة جهة مشرفة على إدارة هذه الجهة، حتى نضمن أننا نواجه الفساد الإداري، ولأنه لا شيء أسوأ من تفشي الفساد الإداري، إلا الفشل في مكافحته؟!
مقال رائع واشكرك اخي الكاتب واسمح لي بمداخله بسيطه اخي العزيز من وجهت نظري وهو المطبق عند الغرب عموما هو وضوح القوانين ومرونتها وقدرة على التغيير والسرعة في ذلك , وهي الحل باذن الله للقضاء على الفساد الاداري. وللمعلومية لا يوجد في اي دائرة حكومية واقولها من تجربها اي اجراءات واضحة وضوح الشمس ولا يوجد تفسيرات لاي انظمه وهو مافتح باب الاجتهادات والفساد وايضا تعقيد القوانين وعدم تحديثها اولا باول وعدم مراعاتها للواقع والزمان والمكان ايضا. يجب ان تكون القوانين عادتا منحصره بين امرين لا ثالث لهم وليس مثل قوانيننا التى تفتح باب ثالث وهو الاستثنئات وهنا الفساد اخي العزيز. يجب عند وضع القانون ان نراعي المطلبات العامة وننزل الى ادنى مستوى بالمجتمع لكي لنبي طلبات الجميع ولا نفتح باب الاجتهادات الشخصية والفساد الاداري والرشوة.