من ردود الفعل التي وردتني على مقال الأسبوع قبل الماضي في هذه الزاوية، الذي كان بعنوان «صندوق التنمية السياحي.. ما المانع؟!».. وردني مقترح بأن يتم إنشاء متحف سعودي مشترك للأثريات، يقسم إلى أجنحة لمعروضات أصحاب المتاحف الخاصة، يُختار له موقع له تاريخ مثل أحياء الدرعية القديمة.
وأعتقد أنها فكرة جديرة بالتبني من قبل الهيئة العامة للسياحة والآثار.. من عدة جوانب. ففي هذا المتحف سيكون هناك تجميع وتنشيط لسوق الأثريات والتراث الشعبي.. ومنه يمكن عمل قاعدة معلومات توثق ما يتم جمعه من مقتنيات أصحاب المتاحف الخاصة ممن لديهم بيوت أو صالات أو مستودعات أو غرف تراثية خاصة في مختلف أنحاء البلاد.
وأهم ما في ذلك أن هذا المتحف سيوفر لأصحاب هذه الهواية دخلا يساعدهم على تطوير نشاطهم وسيشجع الهواة الجدد على الدخول في هذا النشاط. من ذلك أن مشروع جمع هذه المقتنيات سيمثل في مجموعه موروثا ضخما جدا، يتوقع له أن يضم عددا كبيرا «سيفاجئ الجميع» من النوادر الأثرية القيمة.. والقليل من الكثير كثير (كما يقال). وقد يكون من المناسب أن يكون للمتحف نشاط لبيع المعروضات وحراج دوري للأثريات وفي مناسبات الأعياد وغيرها.
وبوجود هذا المتحف سيكون المجال مفتوحا وحافزا للأفكار الجديدة والابتكارات، حتى بتصوير المواقع التي لا يمكن نقلها بتقنيات حديثة لتعرض على الزوار في صورة أفلام مصورة..
أحد المواطنين أطلعني على صور مسجد يعود تاريخ بنائه إلى عام 146 هجرية ويقع في جبل السودة قرب منتجع سحاب القريب من مدينة أبها، وما زال قائما حتى الآن، فمثل هذا المسجد يمكن تصويره وعرضه في أفلام يطلع عليها زوار المتحف المشترك. وقد يستفاد من أفكار مهرجان الجنادرية، ومنها الصناعات والحرف اليدوية السعودية منذ التاريخ القديم وحسب تسلسل تطور الصناعات حسب المناطق والمدن السعودية، وما طرأ عليها من تحسينات وتعديلات، إلى أن وصلت لما وصلت إليه. وهذا المتحف سيكون امتدادا لفكرة مهرجان الجنادرية، ويكون له صفة الاستمرار خلال العام.
كما أن مثل هذا المتحف سيكون متحفا وطنيا لا يملكه أحد بعينه.. وبالتالي فإن الراغبين في زيارة هذا المتحف لن يشعروا بالحرج؛ لأنه سيكون مفتوحا للجميع. ومثل هذا المتحف سيحظى بحماس منقطع النظير من قبل المشاركين؛ لأن مثل هذا العمل الاجتماعي المشترك له جاذبية وقبول نفسي لدى الهواة والمتطوعين (بصفة خاصة) للمشاركة بكل ما يتوافر لديهم من إمكانات ومجهودات لا يمكن أن تتاح في الأحوال العادية. ومن المفترض أن يوجد تقنين واضح يوثق تسلم هذه المقتنيات من أصحابها قبل تسلمها وعرضها بمحاضر تسلم وتسليم مصورة يتم فيها توصيف هذه المقتنيات بدقة وعناية. وحتى يضمن أصحاب هذه المقتنيات الأثرية سلامة مقتنياتهم، يمكن تقييم كل قطعة أثرية والتأمين عليها، بحيث يُضمن لصاحبها تعويض مجزٍ في حالة تلفها أو سرقتها، إضافة إلى وجود حراسة قوية لهذا المتحف ونظام رقابة يتناسب وحالات المتاحف العالمية المماثلة.
ولا بأس من إشراك أصحاب هذه المقتنيات بنسب من دخل هذا المتحف جرَّاء رسوم الدخول، وبالطبع سيكون للقطاعات الحكومية دور مهم في تشجيع هذا المتحف، جرَّاء زيارته والترتيب لزيارات ضيوفه المتكررة. وهذا سيوفر للمتحف والعارضين فيه دخلا مستمرا لا يستهان به. وأعتقد أن فكرة متحف الأثريات يمكن أن تكون محلية، ويمكن أن تكون خليجية أو عربية، إذا وُجد لهذا المتحف استقلالية ونظام مستقل خاص بعيدا عن تبعية البيروقراطية الحكومية، يحاكي أنظمة المتاحف العالمية المستقلة.