تحرص حكومات الدول الخليجية على دعم السلع الضرورية للمواطن، وبالأخص المواد الغذائية بأسعار منخفضة، بهدف رفع المعاناة عنه وتحقيق مستوى معقول من الرفاهية. لكن من بين أسباب فشل هذه المساعي، جشع بعض التجار، وقد أثبتت التجارب أن المسكنات لا تجدي نفعا في مسألة جشع التجار. فالبعض يجد فيها حرية شخصية، والبعض لديه قناعة أن التجارة شطارة.. ومن يحاول أن يضحي بمكاسبه الشخصية خدمة للوطن والمواطن يواجه الحرب الضروس إلى أن يخرج من السوق، ولأن الحكومات مهما دفعت من دعم للسلع الأساسية، فإن ما يستنفد دخل المواطن في هذا العصر لم يعد الأكل والشرب. وهذا الأمر تصعب متابعته وتقصيه بسبب تغير الأذواق وتجدد المنتجات وتطور المخترعات المستمر.
وعلى هامش منتدى الرياض الاجتماعي الأول، الذي يفتتح فعالياته اليوم سمو الأمير سلمان بن عبد العزيز وزير الدفاع السعودي، تحت عنوان «الأسرة السعودية والتحديات المعاصرة»، فإنني أقترح أن نطور فكرة الجمعيات التعاونية، ولو لبيع الكميات بالجملة عوضا عن ترك الحبل على الغارب في مسألة توفير السلع الاستهلاكية، وجعلها برمته في أيدي التجار الذين هدفهم تعظيم الأرباح. واختياري لطرح هذه الفكرة بهذه المناسبة، لأنني على يقين أنها لن تنال نصيبها من النجاح إلا إذا تم تبنيها من قبل شخصية بحجم سمو الأمير سلمان.. ولأن التجار لن يقفوا مكتوفي الأيدي دون مقاومة لهذا التوجه.
فالجمعيات التعاونية أو ما يسمى الجمعيات الاستهلاكية التعاونية مؤسسات معمول بها ومتعارف على جدواها وأهميتها في الكثير من دول العالم، ومن بينها بعض الدول الخليجية. وهناك دول أغنى من المملكة وأخرى أفقر تفاعلت مع موضوع حماية الطبقات الفقيرة، وأهم ما يميزها أنها لا تهدف للربح الخاص، وهدفها الأسمى هو تحقيق النفع للجميع وتوزيع الدخل في هذا النشاط بين المواطنين تحقيقا للعدالة. وحتى يمكن التعامل وبفعالية مع موجات ارتفاع الأسعار التي قد تحصل في بعض الأسواق العالمية لبعض السلع الضرورية كالأرز والسكر وغيرها، فإن وجود هذه الجمعيات سيحقق لها ميزة قوة كبيرة في الأسواق، ولأن حجم التعامل مع الموردين والمنتجين بكميات كبيرة يعطي للمشتري قدرة على التفاوض قد لا تتوفر لغيره. كما أن وجود هذه الجمعيات بفروعها المتعددة في أحياء المدن والبلدات لتوفير جميع السلع التي يحتاجها المستهلك من شأنه أن يقضي على محاولات التجار المحليين للاحتكار ورفع الأسعار محليا لتحقيق أرباح فاحشة على حساب المواطن العادي، وبما يكبح جماح التجار الجشعين الذين جعلوا من حاجات المواطن البسيط سلعا يتاجرون بها ويتحكمون في أسواقها. وهذا الإجراء سيكون له فاعليته، خاصة في مسألة حماية الطبقات المتوسطة والفقيرة.
أما عن الآليات، فالأهم أن تُمنح بطاقات للمواطنين بالمقادير التي يستحقونها طبقا لما سيتم تقنينه من مقاييس ومعايير تنطبق على الجميع، كما يمكن بهذا الصدد الاستفادة من المركز الوطني للمعلومات، ويمكن للحكومة أن تخصص مواقع داخل الأحياء تؤجر للجمعيات بمبالغ تشجيعية بهدف دعم المواطن، وأن تبيع السلع بسعر التكلفة مستفيدة من الدعم الحكومي للسلع الغذائية الأساسية.
وفي الختام.. أرجو أن يجد هذا المقترح صداه، وأن يخرج مشروع الجمعيات التعاونية بثوب جديد متحررا من أوضاع وسلبيات الجمعيات التعاونية الحالية.