الدول الخليجية خطت خطوات تنموية يشهد لها التاريخ.. وذلك في مختلف مناحي الحياة. وللمعلومية: فإنه لقياس وتقييم درجة النمو في أي مجتمع تمكن مقارنة الوضع الحالي بالماضي، وهو ما يُعرف بالمقارنة الرأسية. أو بمقارنة الوضع بالأوضاع في الدول الأخرى، وهو ما يعرف بالمقارنة الأفقية.
وفي دول مجلس التعاون العربي، أنتجت لنا القفزات التنموية شبكات طرق واتصالات وسككا حديدية وخدمات صحية وشوارع وحدائق ومباني سكنية وأبراجا وموانئ جوية وبحرية وشواطئ مجملة بالأرصفة والحدائق الغناء (إلخ).. ذلك كله لم يكن متوافرا بالدول الخليجية في الماضي القريب، ويمكن أن تضاهي (في معظم ملامحها) ما هي عليه في الدول المتقدمة. لكن الذي أرى أننا لم نشمله بالتطوير ونحن الآن بحاجة إليه، لنواكب ما هي عليه نهضتنا الحضارية، هو رفع مستوى الوعي الاجتماعي.
نريد ميزانيات وجهودا ووقتا لردم الهوة وسد الفجوة بين مستوى الوعي العام الذي نحن عليه الآن وبين ما يجب أن نكون عليه، ضمن محددات المخاطر المحتملة اقتصاديا وسياسيا، وضمن حدود التعاليم الإسلامية والتقاليد العربية الحميدة، وما هي عليه دول العالم ونظرتهم لنا من مختلف الجوانب. نريد أن نطور مجتمعنا الخليجي ليتخلص من الإنفاق الزائد لدى البعض. نريد أن يعي ويعرف الفرد الخليجي ما هو الفقر ومن هو الفقير بحق. لا بد أن تتضافر الجهود للعمل على معالجة هذه المشكلة، وقبل ذلك كله يجب أن نعترف بوجود المشكلة ونشخص أسبابها ونعمل بجد على معالجتها.
يحكي أحد الإخوان أنه كان في زيارة لتفقد أحوال إحدى الأسر المحتاجة، فوجدهم في حالة لا تسر من الفقر ونفوسهم منكسرة لذلك، حتى إن ثلاجتهم خاوية إلا من ماء وباقي طماطم وقليل خضراوات قديمة ومن الفواكه المتعفنة. يقول إنني، بحسن نية، قلت لهم إننا في بيتنا نعصر الطماطم ونثلجها ونحفظها، خصوصا في الشتاء؛ لأن الطماطم تشح عند ذلك.. وإننا نقطع الفواكه قبل أن تخرب ونجعل منها سلطة فواكه نخلطها مع السكر والمربى أو العسل وتصبح لذيذة. ووجدهم يسكنون في فيللا في حي بحالة جيدة.. (يقول) إنني، بحسن نية، طرحت عليهم فكرة بيع هذه الفيللا واستبدال بيت في حي شعبي بها بربع قيمتها، والفائض من قيمتها تمكن المتاجرة به في سوق الخضراوات ويمكن خلال فترة وجيزة أن ينمو هذا المال ويتضاعف.. أعز لكم وأشرف من ذل الحاجة! والمشهد الثاني: كنت في رحلة عمل منذ بضع سنوات في دولة قطر الشقيقة، وكان عملنا (بالصدفة) بمشاركة صديق قطري كان من زملاء الدراسة في أميركا. فألح الرجل أن نزوره في بيته، في أحد الأحياء الراقية القريبة من الدوحة. استجبنا لدعوته أنا وشخص معي (سعودي). تصوروا، كنا أربعة أشخاص على صحن كبير عليه خروف كامل! بعد تناول الوجبة أخذنا نتبسط مع بعضنا، ونتذكر الوجبات السريعة وأكل المطاعم وطبخ الشباب في بلاد الغربة. ونتساءل متى نتخلص من عادات التكلف في الولائم التي يقع كلنا فيها. هذا إيماننا بأن ذلك ليس من تعاليم الدين الإسلامي ولا هو نابع من قناعة مترسخة في عقولنا! حتى عدد مصابيح الإضاءة وقوتها، وأشياء أخرى كثيرة. كل ذلك لا نحتاج إلى من يقنعنا به، لكننا لا نحبذ أن نفعلها وحدنا! وأجمعنا على أن هذه مشكلة ثقافة، وأننا كمجتمع خليجي بحاجة إلى برامج لرفع مستوى الوعي العام.. حتى يتخلص المجتمع بأكمله من جميع العادات غير المقبولة.
بل إنني أتمنى على المعنيين برسم السياسة التنموية أن يعتمد في الموازنة العامة برامج لرفع مستوى الوعي العام، شأنها شأن الاعتمادات لأي وزارة قائمة. وأن يعتبر ذلك جزءا من الإنفاق على البنية التحتية؛ لأن بناء الفكر لا شك أنه لا يختلف كثيرا عن أي بنية تحتية، إلا أنه غير محسوس لدى البعض.
لا شىء أسمه الثقافه المنزلبة توجد لدينا
نحن شعب متناقض اذا الواحد عزم ولاحط ذبيحه نقدو عليه واذا حط ذبيحه قالو تبذير ارسو لكم على بر