بعد التغييرات الوزارية الأخيرة، تمنى بعض الكتّاب أن ينجح وزير الاقتصاد والتخطيط الجديد في تفعيل دور الوزارة، وأن يزيل الغبار عن الخطط القابعة في أدراج الوزارات المختلفة، وهنا سأدافع عن وزارة التخطيط، وعن وزيرها السابق، وسأحذر من المبالغة في التفاؤل، والتعويل على ما يمكن أن يقوم به الوزير الجديد، لأن الموضوع باختصار شديد لا يتعلق بشخصية الوزير، وإنما بمدى رغبتنا، كمجتمع وحكومة، في تبنّي ثقافة التخطيط واحترامها كموجّه لأعمالنا، بدلاً من ترك الأمور للأهواء المتضاربة من سنة لأخرى، واعتماد مشروعات، هنا وهناك، هي في الغالب نتيجة رد فعل لمشكلة ما.
ولكن قبل الدفاع عن وزارة التخطيط، دعوني أشير إلى أن هناك مدرسة فكرية اقتصادية ترفض مبدأ التخطيط المركزي، وترى أن ذلك جزء من الفكر الاشتراكي، الذي أثبت فشله، وأن البديل الأفضل هو أن يترك للاقتصاد الحر، وذلك يعني تقديم القطاع الخاص ليتولى جميع المهام، فيما عدا الأمن والدفاع والسياسة الخارجية.
ولكن لو افترضنا استمرار التخطيط المركزي بسبب أننا دولة ريعية، دور الحكومة فيها ما زال مركزياً، فإننا سنجد أن ثقافة التخطيط، وطالما أن التعداد السكاني موجود، تلزم باعتماد معايير، مثل عدد محدد من أسرّة المستشفيات لكل ألف شخص، أو عدد محدد من الفصول الدراسية لكل ألف طالب، ويتم اعتماد المشاريع وفق ذلك في كل محافظة أو مدينة أو قرية، وبذلك نقضي على التنمية غير المتوازنة، القائمة اليوم، ونقضي في الوقت نفسه على التكدس السكاني في المدن الكبرى... إلخ.
ثقافة التخطيط تتطلب أيضاً تغيير أسلوب اعتماد الميزانيات القائم اليوم، وذلك باعتماد الميزانية مع الخطة، حتى ولو تطلّب ذلك الاقتراض في أوقات الشدّة، ولكن المهم احترام الخطة، وتقديمها على الميزانية، وهو ما لم يحدث في تاريخ المملكة الإداري.
كل الخطط الخمسية أعدّت بمهنية عالية، وهي تمثل خارطة طريق جيدة لمعالجة مختلف المشكلات، ولكن كل مسؤول يرى فيها تقييداً لحركته، لذلك يحاول تجاهلها، ويصبح همّه الرئيسي إدراج مشروع ما يراه هاماً في الميزانية السنوية، حتى ولو كان خارج الخطة، وهمه الآخر هو اعتماد وظائف جديدة، لترقية من يعزّهم في جهازه الحكومي.
لا تلوموا وزراء التخطيط، إلا بعد الاحترام والالتزام بمبدأ التخطيط، وما قلته عن التخطيط ينسحب أيضاً على القسم المتعلق بإدارة الاقتصاد الوطني، ولكن بخلاف نشاط التخطيط، الذي توجد له خطة مكتوبة، فإدارة الاقتصاد الوطني مغيبة بالكامل.
الايام القادمة سوف توضخ لنا بإذن الله
اخي سليمان مع كامل التقدير دعنا نتفائل بما هو جديد ووزير التخطيط الجديد يذكر بالخير متحمس نشط وهاهي الوزارة مساحة اكبر من عمله السابق فلينطلق,,, نريد وزارة تخطط وتشرف وتنسق بين الوزارات " اسم على مسمى"
على الاقل من المفترض ان تقوم وزارة التخطيط بنشر خططها الرئيسه للاعلام وللمواطنيين, لكي يقف الجميع مطالبين بتنفيذ تلك الخطط فيما لو حيد عنها,, لكن في الوضع السابق والحالي, لا يعلم المواطن ولا الاعلام عن مدى عدم التقيد بتنفيذ ما اتفق عليه في خطط تنميه الخمسيه ,
أخى سليمان السبب هو الروتين وربما عدم تعاون الاخرين مع هذه الوزاره سابقآ وكذا لاحقآ وهذا لا أتمناه
الى متى يكرر الجميع النقد وطلب الإصلاح ووقف الفساد وإبداء الرغبة فى العيش الكريم والتقدم المدروس والنهوض الذى تأخر كثيراً ،، ألا تعتقد أن العقبة الكأداء و السبب الرئيسى لعدم الوصول الى الحد الأدنى هو عدم وجود أجهزة مراقبة ومحاسبة تستند على كفآءات نزيهة و نظام قضائى نزيه ومتطور ويلبى كافة المجالات والقطاعات التى لا زالت بعيدة عن أى محاسبة ،، كيف يمكن العمل والبناء وتنفيذ الخطط والتنسيق بين الأجهزة دون قطاع رقابى يملك صلاحيات تتناسب مع تلك الثروات والإمكانات التى يزخر بها الوطن ، عدم وجودها يخدم فئة الإنتهازيين والوصوليين واللصوص ومن يقدم مصلحته الشخصية على حساب الجميع كنتاج طبيعى للنفس البشرية الأمارة بالسوء !
قول ان الفكر الاقتصادي الاشتراكي (وليس الشيوعي) اثبت فشله هو رأي الرأس ماليين في امريكا وخاصة من ينتمي للحزب الجمهوري. هناك رأي آخر (يؤمن به بعض من على اليسار في الحزب الديمقراطي) وهو تفضيل النموذج الاشتراكي الفرنسي و رفع الضرائب مقابل تقديم الحكومة للخدمات.. ولذلك يتهمون بانهم اشتراكيون وان الاشتراكية في الاقتصاد اثبتت فشلها وووو... لكن هناك شبه اجماع بان قطاع الصحة مثلا في فرنسا افضل بالف مرة من امريكا. لذلك في امريكا تجد ان مناطق الديمقراطيين (سان فرانسيسكو - بيركلي - بورتلاند الخ ) فيها مترو داخلي وخدمات رائعة. ودائما يعتبرون الدول الاوروبية الاشتراكية نموذج يقتدى به. بينما مناطق الجمهوريين الرأس ماليين شوارعهم متهالكة رديئة وليس هناك أي خدمات تذكر حتى أسواقهم أسواق بضاعة رخيصة رديئة. فكون "الاشتراكية الاقتصادية" اثبتت فشلها هذا فيه نظر. وشخصيا لا ارى الاشتراكية الاقتصادية الا فرع من الرأس مالية مع اختلافات بسيطة حيث انها تعطي للحكومة دور أكبر مقابل رفع الضرائب.
ايضا لطبيعة الانظمة عندنا والاعراف الاجتماعية ومصادر الدخل الخ... كلها عوامل تجعل تحويل الاقتصاد الحر تماما الى مونوبولي احتكاري بشكل سريع. ليس لدينا الخلفية المناسبة لسوق مفتوح تماما بعكس امريكا لأن في امريكا ولايات مختلفة كل واحدة لها ميزة نسبية فخلق اجواء التنافس فيها سهل. لست ضد الاقتصاد الحر, بالعكس, لكن ليس الأمر على اطلاقه ويجب عدم استيراد نماذج من الخارج دون وضع اعتبار للاختلافات الكبيرة في البيئة بيننا وبينهم.
أوافق الأستاذ سليمان المنديل في عدم التفاؤل بالتغيير الوزاري. صحيح الوزير الجديد في عمر ابناء الوزير السابق، لكن الوزارة نفسها غائبة عن شؤون الدولة. اذا أردنا أن نتقدم في التخطيط، فليكن التخطيط هو منطلق عمل كل الوزارات، وذلك بمعرفة: الوضع الحالي، الحالة المستهدفة خلال زمن معين، الطريق والإجراءات لسد الفجوة بين الواقع والمستهدف. وكذلك تقييم الوزارات بعد كل مرحلة.
اذا كان هناك فائده من سواء التخطيط وعدم تناغم ماخطط له وما انجز, ان تؤخذ تلك المساويء كحافز لاعتماد تنفيذ ما يخطط له .