جاء بالتقرير العالمي لرصد التعليم للجميع و الصادر في شهر مارس الماضي عن منظمة اليونسكو لعام 2011 تحت عنوان (الأزمات الخفية : النزاعات المسلحة و التعليم ) أنه يوجد في العالم كله 67.4 مليون طفل غير ملتحق بالتعليم في عام 2008 يتواجد أكثر من نصف هذا العدد من الأطفال في خمسة عشر دولة فقط و تعد نيجيريا و باكستان و الهند و أثيوبيا هم أكثر دول العالم إرتفاعاً لمعدلات عدم إلتحاق الأطفال بالتعليم .
أما بالنسبة للمنطقة العربية فيتواجد حوالي 6.188 مليون طفل عربي غير ملتحق بالتعليم و تعد اليمن أكثر الدول في المنطقة العربية إرتفاعاً في معدلات عدم إلتحاق الاطفال بالتعليم حيث يتواجد في اليمن حوالي 1.03 مليون طفل غير ملحتق بالتعليم و تقع اليمن في المرتبة السابعة علي مستوي العالم بين الدول الأكثر ارتفاعاً لمعدلات عدم إلتحاق الأطفال بالتعليم .
كما أشار التقرير الي أن المدارس التي يرتادها اللاجئون الفلسطينيون في القدس الشرقية مقتظه و تفتقر الي الموارد و أن نسب كبيرة من اللاجئين والنازحين تواجه عقبات كبيرة تحول دون انتفاعهم بالتعليم و أنه في المخيمات التي تديرها مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الدول العربية بلغ متوسط نسبة القيد الإجمالية في التعليم الابتدائي 42% العام 2008 مقابل 12% فقط في التعليم الثانوي .
هذا بالرغم من أن نسبة البقاء في التعليم و إتمام الصف الاخير من التعليم الإبتدائي في المنطقة العربية لعام 2007 تقدر 97% و هي نسبة جيدة إذا ما قورنت بمناطق امريكا الشمالية و أوربا الغربية حيث ان تلك النسبة في تلك المنطقة هي 99 % و أيضا إذا ما قورنت بمناطق جنوب و غرب أسيا حيث تقدر نسبة البقاء في التعليم و اتمام المرحلة الابتدائيه فيها 66 % .
و بالطبع ترتبط نسب البقاء في التعليم إرتباطاً وثيقاً بالحالة الإقتصادية للأسر المعيلة للأطفال فترتفع نسب التسرب من التعليم كلما زادت نسب الفقر لعدم قدرة تحمل تلك الأسر لنفقات التعليم المباشرة و الغير مباشرة بل أن في كثير من الأحيان و مع أزدياد الفقر يضطر هؤلاء الأطفال للعمل ليكونوا مصدر دخل لتلك الأسر الفقيرة .
و لقد أثبتت أغلب الدراسات أن دخل الأسر الفقيرة عندما يزداد يصب في الغالب في الإنفاق علي الأطفال و بالأخص في العملية التعليمية و هنا جاءت أهمية التمويل الأصغر الذي يعد آلية تمويل تعمل علي دعم و تمويل الأسر الفقيرة و التي لا يتوفر لديها قنوات أخري للتمويل مما يعمل علي رفع وضعهم الإقتصادي كما ان مؤسسات التمويل الاصغر لم تتوقف عند تقديم التمويل فقط و لكنها شاركت و بشكل مباشر في دعم العملية التعليمية للفقراء .
فمن أشهر مؤسسات التمويل الأصغر العالمية التي شاركت في دعم العملية التعليمية هي بنك جرامين حيث تبني بنك جرامين النهضة التعليمية في مجتمع الفقراء وذلك عبر برامج قروض التعليم و مساعدة الطلاب الفقراء والمتفوقين على مواصلة تعليمهم العالي على أمل إنشاء جيل من الفقراء المتعلمين يجعلهم قادرين على الخروج من دائرة الفقر .
و أسس البنك بالتعاون مع اليونسكو في إطار مبادرة التعليم للجميع "مؤسسة جرامين للتعليم" التي تستهدف التعليم المستمر للنساء الفقيرات الأميات من عضوات البنك والدمج الاجتماعي لهن وتحسين نوعيات حياتهن من خلال محو أمية القراءة والكتابة والحساب .
و علي المستوي العربي نجد أن مؤسسات التمويل الأصغر العربية تعمل أيضاً علي دعم العملية التعليمية للفقراء فنجد مؤسسة تمويلكم (الشركة الأردنية لتمويل المشاريع الصغيرة ) تهتم إهتمام كبير بظاهرة التسرب من التعليم في الأردن و كدليل واضح على سعي تمويلكم الدائم للنهوض بالمجتمع على كافة الأصعدة فقد خططت الشركة لتوفير منح تعليمية ينتفع بها ما يزيد عن 1000 طالب بشكل مباشر من أبناء عملاء تمويلكم الرياديين يتم إدراجهم بها واحتساب نفقاتهم المالية للسنة الدراسية التالية .
و قد وضعت تمويلكم معايير خاصة يتم وفقاً لها انتقاء 1000 طالب فقير من أبناء عملائها المخلصين والمنتجين و في عام2010 وقعت تمويلكم اتفاقية تعاون مع مدرسة اليوبيل (المملوكة لمؤسسة الملك الحسين) حيث تقوم تمويلكم بموجب هذه الإتفاقية بإعطاء منح دراسية لتسعة طلاب للإستفادة من خدمات المدرسة التعليمية و مرافقها و تقدم تمويلكوم منتج قرض التعليم أيضاً و يستهدف القرض طلاب الجامعات وكليات المجتمع الحكومية والخاصة وطلاب مراكز التدريب المتخصصة .
و أيضاً يوجد في المنطقة العربية منظمة الأونروا (وكالة الامم المتحدة لغوث و تشغيل اللاجئين الفلسطينيين ) و تقوم بتقديم القروض الجماعية للنساء صاحبات الأعمال وتعمل تلك القروض على استدامة المؤسسات بالإضافة إلى إنفاق الأسر على التعليم والصحة والاحتياجات الأساسية ، و غيرها العديد من مؤسسات التمويل الأصغر العربية و التي تقدم القروض التعليمية كأحد الخدمات المقدمة للفقراء .
إن التمويل الأصغر بالفعل سلاح فعال لمواجهة الفقر ففي عام 2010 بلغ عدد مؤسسات التمويل الاصغر في العالم 3652 إستطاعت منح ما يزيد عن 205 مليون عميل في هذا العام منهم ما يزيد عن 113 مليون إمرأه تعاني الفقر كما أن القروض الصغيرة ساعدت ما يزيد عن 687 مليون أسرة فقيرة حول العالم للخروج من دائرة الفقر و هذا بنهاية عام 2010 ( هذه الارقام وفقاً للتقرير الذي أصدره يوم 10 نوفمبر 2011 مؤتمر القمة العالمي المعني بالقروض متناهية الصغر – أسبانيا ) .
مما سبق يتضح أن مؤسسات التمويل الاصغر تركز عملها في نطاق التنمية الإقتصادية للعملاء و التي بالتبعية تعمل علي إنعاش التنمية الإجتماعية لهؤلاء العملاء و لكن السؤال المطروح هل يمكن لمؤسسات التمويل الأصغر أن تطور نطاق عملها ليشمل مزيج للتنمية الإقتصادية و الإجتماعية معاً في نفس الوقت ؟ .
فمثلاً لو أن كل عميل يقوم بقيد أحد أبناءة في التعليم الإبتدائي يحصل علي ميزه نسبية مقدمة من مؤسسة التمويل الأصغر ( أي كان تلك الميزه أو قيمتها ) و أيضاً لو أن كل عميلة تقوم بالتطعيم الصحي لأبنائها تحصل علي ميزه نسبية من المؤسسة فيمكن هنا أن تحقق مؤسسات التمويل الأصغر التنمية الإجتماعية بشكل مباشر و في نطاق واسع هذا بالطبع مصحوب للتنمية الإقتصادية التي تحققها مؤسسات التمويل الأصغر .
إن أطفال أي مجتمع هم نبت و زرع ذلك المجتمع و هم المستقبل الآتي فمن العقل أن يستثمر المجتمع بكل طاقاتة في نبته و زرعه كي يحصل علي حصاد مستقبلي ناجح يتولى هو فيما بعد العملية التنمويه و إلا سوف يحصد أشخاص يقومون بهدم ما تم بناءه .