طرح «سعودي أوجيه» و«بن لادن» للاكتتاب العام .. متى؟

30/10/2011 6
د. قصي الخنيزي

حين بدأ الوسط المالي والاقتصادي العالمي بفهم عمق وانتشار الأزمة المالية العالمية عام 2008، قامت مختلف الدول بالقيام بإجراءات تتفاوت تبعا لمدى تأثر اقتصادياتها وقطاعاتها المالية بالأزمة واحتمالات العدوى المالية.

وقد كانت من أبرز الخطوات التي تم اتخاذها توفير حزم التحفيز المالي متمثلة برفع مستويات الإنفاق الحكومي لتحفيز النمو الاقتصادي والتعويض عن تراجع الطلب الكلي والإنفاق من قبل المستهلكين النهائيين، تراجع الاستثمار نتيجة لتراجع مستويات الإقراض، وتراجع حجم التجارة الدولية.

ولم تكن المملكة استثناء، حيث تم توفير حزمة تقدر بنحو 472 مليار ريال توزعت على مشاريع تطال البنى التحتية وقطاعات التعليم والتعليم العالي والصحة والدفاع والأمن وغيرها.

ونظرا لطبيعة الإنفاق الحكومي والمشاريع التي تغطيها حزم التحفيز المالي، حصلت شركتي ''سعودي أوجيه'' و''بن لادن'' على حصة الأسد من الإنفاق الحكومي وبالتعميد المباشر في أحيان كثيرة؛ مما حدا بعدد من الكتاب الاقتصاديين خلال الفترة السابقة بدعوة الجهات المختصة لطرح أكبر شركتي مقاولات في المملكة للاكتتاب العام بهدف تعميم الاستفادة من الإنفاق الحكومي وحزم التحفيز على أكبر عدد من المواطنين وتحقيق نوع من الاستقرار وحوكمة الشركات لأكبر شركتي مقاولات في المنطقة.

ومع هذه المطالبات، يبرز السؤال التالي: هل السوق السعودية مستعد لمثل هذا الطرح العام في هذا الوقت في قطاع المقاولات؟

بداية، بقراءة للخطة الخمسية التاسعة والميزانية الحالية وتصريحات المسؤولين، يتبين اهتمام الدولة بالاستثمار في البنية التحتية؛ وذلك لتعزيز مسيرة التنمية المستدامة من خلال تخصيص مبالغ ضخمة وتطوير وترسية عدد من المشاريع الإستراتيجية، حيث تم رصد أكثر من 260 مليار ريال لمشاريع جديدة ومراحل إضافية لعدد من المشاريع التي سبق اعتمادها في قطاعات عدة، من أهمها:

• التعليم وتدريب القوى العاملة: تخصيص ما يزيد على 137 مليار ريال، وتشمل استمرار العمل في تنفيذ مشروع تطوير التعليم، واعتماد إنشاء 1200 مدرسة جديدة للبنين والبنات، كما تضمنت الميزانية اعتمادات مالية للجامعات الأربع الجديدة في (الدمام، والخرج، والمجمعة، وشقراء) واستكمال المدن الجامعية في عدد من الجامعات القائمة، وإنشاء كليات تقنية ومعاهد مهنية جديدة.

• الصحة والتنمية الاجتماعية: تم تخصيص ما يزيد عن 61 مليار ريال لمواصلة العمل على رفع مستوى الخدمات الصحية ودعم البرامج الاجتماعية.

حيث تضمنت الميزانية مشاريع صحية جديدة لاستكمال إنشاء وتجهيز مراكز الرعاية الصحية الأولية في جميع مناطق المملكة وإنشاء ثمانية مستشفيات جديدة وإحلال وتطوير البنية التحتية لـ19 مستشفى قائما.

وفي مجال الخدمات الاجتماعية تضمنت الميزانية مشاريع جديدة لإنشاء أندية ومدن رياضية ودور للرعاية والملاحظة الاجتماعية والتأهيل بجانب الاعتمادات اللازمة لدعم برامج الضمان الاجتماعي.

• البلدية: تخصيص نحو 22 مليار ريال لقطاع الخدمات البلدية تتضمن مشاريع بلدية جديدة وإضافات لبعض المشاريع القائمة.

• النقل والاتصالات: بلغت مخصصات قطاع النقل والاتصالات نحو 24 مليار ريال لمشاريع جديدة وإضافات للمشاريع المعتمدة سابقا.

• المياه والصناعة والزراعة: تخصيص 46 مليار ريال لمشاريع جديدة لتوفير مياه الشرب وخدمات الصرف الصحي، وللبنية التحتية والمرافق في مدينتي الجبيل وينبع الصناعيتين، كما تضمن مشاريع لتجهيز البنية التحتية للصناعات التعدينية برأس الزور.

ونظرا لضخامة هذه المشاريع، فمن الغالب أن تتم ترسية معظمها لشركات مقاولات مصنفة من قبل وكالة تصنيف المقاولين السعوديين كمقاول ''درجة أولي'' في المجال ذي العلاقة بناءً على السمعة التي اكتسبها المقاول من خلال تسليم المشاريع وفقا للجدول الزمني المحدد وبحسب المواصفات وبتكاليف معقولة.

وعليه، أصبح للمقاول السعودي ميزة تنافسية في المشاريع الحكومية، وذلك من خلال تقديم عطاءات لمشاريع من الأحجام كافة دون قيود على قيمة العقد وعلاقات قوية ومميزة مع موردي المعدات والمواد، وكذلك مع مؤسسات التمويل.

ويوجد في المملكة اليوم 312 شركة مقاولات مصنفة كمقاول ''درجة أولى'' بحسب وكالة تصنيف المقاولين في وزارة الشؤون البلدية والقروية، نحو 43 شركة منها لديها أكثر من تصنيف واحد كمقاول ''درجة أولى'' في المجالات الـ32 المصنفة من قبل الوكالة.

ويمكن النظر لمجالات التصنيف على النحو التالي:

• البنية التحتية: وتشمل ستة مجالات وهي إنشاء الطرق، وإنشاء السدود، وصيانة الطرق، وحفر الآبار وصيانة السدود، وصيانة المباني.

• الأعمال المدنية والخدمية: تشمل سبعة مجالات وهي إنشاء المباني، وتشجير الحدائق وتنظيم المواقع، ونظافة المدن والتخلص من النفايات، وصيانة وتشغيل المسالخ، وصيانة الحدائق والمنتزهات، وإنشاء المسالخ، وتخديم وتأمين الإعاشة للأفراد.

• الأعمال الصناعية: وتشمل سبعة مجالات هي صيانة وتشغيل الأعمال الإلكترونية، وصيانة وتشغيل الأعمال الصناعية، وصيانة وتشغيل الأعمال الميكانيكية، والأعمال الالكترونية، والأعمال الصناعية، والأعمال الميكانيكية، وصيانة وتشغيل الأعمال الكهربائية.

• الأعمال البحرية: وتشمل مجالين، هما الأعمال البحرية، وصيانة وتشغيل الأعمال البحرية.

• المراكز الصحية: وتشمل صيانة المراكز الطبية.

• الأعمال الخدمية: وتشمل أربعة مجالات هي الأعمال الكهربائية، وصيانة وتشغيل الأعمال الكهربائية، وأعمال المياه والصرف الصحي، وصيانة وتشغيل أعمال مياه وصرف صحي.

وعند تحليل عدد وتصنيف هذه الشركات، يتبين أن شركتي ''سعودي أوجيه'' و''بن لادن'' هما الوحيدتان اللتان لديهما أكثر من سبعة مجالات مصنفة ''درجة أولى''. ويوضح الجدول (1) تفاصيل المجالات المصنفة لدى كل من ''سعودي أوجيه'' و''بن لادن''.

وبالعودة إلى السؤال المتعلق بجاهزية السوق السعودية لطرح عام لهاتين الشركتين في هذا الوقت، من المهم أن يتم تحليل بيانات الشركتين المالية والفنية والإدارية.

وتبرز عقبة التحليل الأولى في عدم توافر المعلومات والبيانات المالية الدقيقة عن الشركتين؛ لكونهما شركتين خاصتين غير مطالبتين بالإفصاح عن قوائمهما المالية بحسب الأنظمة السعودية، على الرغم من أهمية ذلك الإستراتيجية للاقتصاد السعودي! ولتجاوز هذه العقبة، لنبدأ بمراجعة وتحليل البيانات المالية لأسهم بعض شركات المقاولات المدرجة في المنطقة كما في 21 تشرين الأول (أكتوبر) 2011، كما يوضح الجدول (2).

وبمراجعة لعدد من التقارير الصحفية الخاصة بترسية عدد من العقود والمشاريع الحكومية الضخمة يتبين أن متوسط مدة تنفيذ المشاريع الحكومية العملاقة يمتد من 30 – 36 شهرا.

وعند جمع قيمة عدد من العقود والمشروعات التي تمت ترسيتها على كل من ''سعودي أوجيه'' و''بن لادن'' بحسب التقارير الإخبارية والصحافية، يمكن تقدير حجم العقود الموقعة أو المشاريع تحت التنفيذ بنحو 70 مليار ريال (Backlog) لكل منهما، وذلك بصورة في غاية التحفظ (أوردت الفاينانشيال تايمز بتاريخ 1/8/2011 تقديرا للمحامي عبد العزيز القاسم بأن مجموع قيمة المشاريع التي تقوم بها الشركتان تبلغ نحو 350 مليار ريال!)، حيث يشكل ذلك نحو 39 في المائة من إجمالي المشاريع الحكومية المقدرة بـ356 مليار ريال في عام 2011.

واعتمادا على ما سبق، وبتبسيط غير مخل، بالإمكان تقدير متوسط حجم الإيرادات وصافي الدخل السنوي للشركتين للأعوام الثالثة المقبلة تبعا لافتراضات عدة، منها: 1) قدرة كل من ''سعودي أوجيه'' و''بن لادن'' على الفوز بنحو 10 في المائة من إجمالي المشاريع الحكومية في السنوات المقبلة 2) متوسط مدة تنفيذ المشاريع تبلغ نحو 36 شهرا 3) يتم تحقيق وتسجيل الإيرادات بالتساوي على متوسط مدة تنفيذ المشروع 4) تحقيق هامش صافي الدخل يساوي متوسط شركات المقاولات المدرجة (10.5 في المائة).

وبناءً على الافتراضات السابقة، يوضح الجدول (3) تقدير حجم الإيرادات وصافي الدخل السنوي للأعوام الثالثة المقبلة للشركة الواحدة من الشركتين محل البحث.

وبربط التقديرات في الجدول السابق باكتتاب شركة الخضري التي تم تحديد سعر الاكتتاب فيها بنحو 48 ريال للسهم، أي بمكرر ربح يعادل 10.7 مرة بناءً على النتائج المالية لـ12 شهرا منتهية في حزيران (يونيو) 2010، بالإمكان استخدام هذا المكرر لحساب قيمة طرح إحدى الشركتين بناءً على الجدول (4).

والمفارقة التي نجدها عند تناول موضوع الطرح العام لإحدى الشركتين تبعا للافتراضات والحسابات السابقة هو أن القيمة السوقية المفترضة لإحدى تلك الشركتين عند الطرح ستكون أعلى من القيمة السوقية لمعظم البنوك السعودية، والتي تعتمد عليها الشركتان لتمويل معظم المشاريع والعقود!!! ويوضح الجدول (5) القيمة السوقية لأكبر عشر شركات في السوق السعودية كما في 21 تشرين الأول (أكتوبر) 2011.

أما المفارقة الثانية فهي لو أن الشركتين قامتا بتمويل 30 في المائة من قيمة العقود الحكومية عن طريق البنوك السعودية، فإنهما ستستحوذان على نحو 25 يف المائة من إجمالي حقوق المساهمين لقطاع المصارف والخدمات المالية، كما في التقرير السنوي لتداول والبالغ 168.5 مليار ريال.

كما أن إرساء نحو 40 في المائة من المشاريع الحكومية لشركتين غير مطالبتين بالإفصاح بصورة دورية يشكل درجة عالية من المخاطرة في ظل الظروف الاقتصادية الحالية، ناهيك عن تعارض ذلك مع التوجه الرسمي بإشراك المواطن في الشركات المستفيدة من المشاريع الحكومية.

ونعود إلى التساؤل عن استعداد السوق السعودية لطرح بهذا الحجم، علما بأنه لم يتم طرح أكثر من ثمانية مليار ريال في عامي 2009 و2010 من خلال 20 طرحا عاما! فبحسب الآلية المعتمدة من هيئة السوق المالية للطروحات المماثلة، يقوم مدير الاكتتاب استنادا إلى معايير معينة وضعتها هيئة سوق المالية بعرض نسبة 100 في المائة من الأسهم المطروحة للاكتتاب العام للمؤسسات الاستثمارية التي تشمل صناديق الاستثمار وغيرهم من المستثمرين ذوي الخبرة.

ولكن عند النظر لإجمالي موجودات صناديق الاستثمار في الأسهم المحلية البالغة نحو 17 مليار ريال، ستشكل متحصلات الاكتتاب نحو 45 في المائة من إجمالي أصول هذه الصناديق لو قامت إحدى الشركتين ''سعودي أوجيه'' أو''بن لادن'' بالطرح في عام 2011!!!؛ لذا، لاستحالة قيام صناديق الاستثمار المحلية بتغطية كامل الاكتتاب، فإنه يتوجب علينا التفكير في آليات أخرى، منها:

• قيام هيئة السوق المالية بإعادة النظر في تعريف مسمى المستثمرين من المؤسسات، بحيث تشمل صناديق الاستثمار وغيرها من المستثمرين ذوي الخبرة مثل صناديق التقاعد (المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية والمؤسسة العامة للتقاعد) وكبرى الشركات العائلية والاستثمارية.

• القيام بعملية إعادة هيكلة لكلتا الشركتين بتشكيل شركة قابضة تملك الشركات التابعة (على سبيل المثال، تأسيس عدد من الشركات المتخصصة كل منها بتصنيف درجة أولي بحسب المجالات المصنفة فيها) وطرح تلك الشركات التابعة ذات العوائد الأفضل للمستثمرين في السوق السعودية، وبذلك نقوم بتجزئة الشركة دون الإضرار بها وطرح شركة ذات حجم مناسب في الظروف الحالية بإمكان السوق السعودية استيعابها.

وهنا تكون الاستراتيجية على ثلاث مراحل تشمل فصل الأنشطة المصنفة، استقرار واستقلالية الشركات عن بعضها البعض تحت مظلة المجموعة القابضة، ثم الطرح العام المجدول زمنيا لكل وحدة بشكل مستقل.

وأخيرا، لا شك أن ملاك وإدارة ''سعودي أوجيه'' و''بن لادن'' قد قاموا بإنجازات رائعة ومساهمة فاعلة في المشاريع الحكومية العملاقة مكنت الشركتين من الوصول للوضع الحالي وتنفيذ هذا الكم الهائل من المشاريع في أوقات قياسية.

ولكن حان الوقت للتفكير في مستقبل هاتين الشركتين الإستراتيجيتين من حيث الاستمرارية والنمو المستقبلي، إذ تشير الدراسات إلى أن 5 في المائة فقط من الشركات العائلية تستمر حتى الجيل الثالث والنسبة الباقية تتفكك.

وعليه، يجب على كل أصحاب المصلحة Stakeholders من المساهمين الحاليين في كل من ''سعودي أوجيه'' و''بن لادن'' والهيئات الحكومية المعنية وصناع القرار الاقتصادي والمستشارين من ماليين وقانونيين ومحاسبين النظر جديا في آلية تضمن الاستمرارية والنمو المستقبلي ومشاركة الشريحة الأوسع من المواطنين في عوائد الإنفاق الحكومي وحزم التحفيز.