سبق لي الحديث عن أهمية دعم الصناعات الخليجية.. وإنني أدعو اليوم من هذا المنبر إلى عقد مؤتمر تنظمه الأمانة العامة لمجلس التعاون، يدعى له نخبة من الخبراء والمفكرين في مجالات التخطيط الاقتصادي الصناعي والمالي والتنمية الاجتماعية، ممن لهم باع علمي وتجارب عملية في هذا المجال.. لكي يقدموا أوراق عمل تناقش واقع الصناعة الخليجية والفرص التنموية المتاحة، وأنجع السبل لدعم الصناعة الخليجية وأساليب نقل التقنية المتقدمة.
ففي هذا الصدد.. علينا ألا نخفي أسفنا وخجلنا ونحن نملك جميع المعطيات اللازمة للتنمية الصناعية، وهي: رأس المال والمواد الخام والطاقات البشرية، في وقت لا نجد للصناعة الخليجية ذلك المستوى المتطور! من منطلق أن المجتمع الواعي لا يقبل على نفسه أن يبقى تحت رحمة المجتمعات الأخرى، لتأخذ منه المواد الخام بأبخس الأثمان وتعيدها له مصنعة بمبالغ باهظة، وهو يقف يده على قلبه عسى ألا ينقطع الاستيراد! هذا الأمر يحثنا على العودة لمراجعة خططنا الصناعية الاستراتيجية.. ونحن على قناعة تامة بأننا حاليا نمر بفترة ذهبية يجب أن تستغل (لأنها قد لا تتكرر) لكي نبني الصناعة الخليجية، بكم وكيف بمستوى يتلاءم مع الإمكانات المتاحة. ونركز على استراتيجية استغلال مجالات صناعات النفط التحويلية، باعتبارنا نمتلك مادته الأساسية (النفط)، التي نتميز بها عن معظم دول العالم الصناعي. النفط الذي هو عصب الصناعة العالمية (كمصدر طاقة ومادة خام)، والذي يكلف غيرنا المبالغ الباهظة لنقله من حقولنا، ليقوموا بصناعة منتجاته وتغليفها وشحنها والتأمين عليها لتعبر القارات (لنا ولغيرنا). في صورة سلع يتحكمون في أسعارها ليحققوا منها دخولا تعيش عليها الدول الغنية مثل: اليابان، الصين، كوريا، ماليزيا، هونغ كونغ، الهند.. إلى غير ذلك من الدول الصناعية.
فإلى ما قبل 3 عقود تقريبا، كنا في دول المجلس بحاجة إلى العنصر الاقتصادي الثالث المهم، وهو المورد البشري. واليوم العنصر البشري متوافر وبأنسب الأعمار الإنتاجية، بل هاهم شبابنا لا نجد لهم الوظائف! ونحن نستورد ملايين العمالة من مختلف البيئات المتخلفة في العالم وبأقل مستويات الأداء والتأهيل! حتى صرنا ندفع للشباب الخريجين رواتب إلى أن يحصلوا على عمل مناسب! ونعاني مشكلة ارتفاع نسبة الفقر. والبعض في حيرة: هل نوزع عليهم أراضي بالمجان ونمنحهم قروضا بخصومات لينشغلوا ببناء مساكنهم ويتركوا مهامهم الوظيفية الأساسية؟ مع أن الخيار الأنجع أن نؤمن للمواطن السكن المناسب ليتفرغ للعمل والإنتاج التنموي ويشارك في الناتج القومي المحلي.. وليكون دخلنا من النفط دخلا إنتاجيا لا استهلاكيا. علينا، كإعلام، أن نشحن همم الشباب للعمل، ونذكرهم بأحوال المجتمعات الأخرى. وأن اليابان تمكنت من صنع سيارة من بطاطس - تويوتا إي إس 3 - ونحن ما زلنا نستورد تقاوي البطاطس من الخارج! العالم العربي بكامله، ومع كل ما حباه الله به من الموارد الاقتصادية، لم يتمكن من صناعة ماركة منافسة لسيارة أو تلفزيون أو راديو! ضاع القرن الـ20 علينا، ونحن في حالة حرب لاستعادة الأرض، وضاعت الأرض وتشتت أصحاب الأرض في مختلف بقاع الأرض، وما حصدنا وإياهم إلا خسائر أرض وعرض.
وختاما.. إنني أدعو الجهات المعنية بالتخطيط والاقتصاد والصناعة والتجارة بدول المجلس إلى دراسة نسب مساهمة الصناعة المحلية في الناتج القومي في دولهم، ومقارنة ذلك بما عليه دول العالم.. لكي نقيِّم مستوى إخفاقنا في هذا المجال، لنسعى جادين لمعالجته.